وعنه عليهالسلام : « نزلت في المهاجرين ، وجرت في آل محمّد صلىاللهعليهوآله الذين اخرجوا من ديارهم واخيفوا» (١) .
ثمّ بيّن سبحانه حكمة أمره بالقتال بقوله : ﴿وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ﴾ يعني ﴿بَعْضَهُمْ﴾ المشركين ﴿بِبَعْضٍ﴾ المؤمنين في كلّ عصر ﴿لَهُدِّمَتْ﴾ وخرّبت بتعدّي الطغاة ﴿صَوامِعُ﴾ الرّهبان ومعابدهم ﴿وَبِيَعٌ﴾ النصارى وكنائسهم في مدّة بقاء شرع عيسى ﴿وَصَلَواتٌ﴾ ومعابد كانت لليهود في زمان بقاء شريعة موسى ، قيل : هو معرّب ، وبالعبرية صلواث (٢) ، بالثاء المثلثة (٣)﴿وَمَساجِدُ﴾ تكون للمسلمين ﴿يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ﴾ ذكرا ، أو وقتا ﴿كَثِيراً﴾ فبأمر الله بالقتال بقي الدين ومعابد المتديّنين ، وفي توصيف المساجد بكونها محالّ ذكر الله دلالة على فضلها ، ويجوز أن يكون الوصف للأربع ﴿وَ﴾ بالله ﴿لَيَنْصُرَنَّ اللهُ﴾ ويؤيّد ﴿مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ بنصر أوليائه ودينه ، ولقد أنجز سبحانه وعده حيث سلّط المؤمنين على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرة الروم ، وأورثهم أرضهم وديارهم ﴿إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ﴾ بذاته قادر على إنفاذ إرادته ﴿عَزِيزٌ﴾ وغالب على كلّ شيء ، لا يمانع ولا يدافع ، فلا يحتاج إلى نصرة أحد ، وإنّما كلّف المؤمنين بالقتال ليصلوا بامتثال أمره إلى منافعهم الدنيوية والاخروية.
﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)﴾
ثمّ بيّن غاية شناعة الظّلم على المؤمنين الذين اخرجوا من دريارهم بمدحهم بقوله : ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ وسلّطناهم على أهلها ، وأعطيناهم نفوذ القول ﴿أَقامُوا الصَّلاةَ﴾ بشرائطها وآدابها لتعظيمي ، وحثّوا الناس عليها ﴿وَآتَوُا الزَّكاةَ﴾ أداء لحقّي وتوسعة على عبادي ﴿وَأَمَرُوا﴾ الناس ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ وفعل المستحسن عند الشّرع والعقل ﴿وَنَهَوْا﴾ هم ﴿عَنِ﴾ فعل ﴿الْمُنْكَرِ﴾ والقبيح عند الله وعند العقلاء ، فإن كانوا اليوم عندكم أذلّاء مستحقرين ، فهم أولياء الله ﴿وَلِلَّهِ﴾ وحده ﴿عاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ ولذا لا يبعد أن يصيروا أعزّاء معظّمين ويجعلهم في الأرض متمكّنين.
نقل كلام للفخر الرازي وردّه
قال الفخر الرازي : ولكن ثبت أنّ الله مكّن الأئمّة الأربعة في الأرض ، وأعطاهم السلطنة عليها ، فوجب كونهم آتين بالامور الأربعة ، فإذا كانوا آمرين بكلّ معروف
__________________
(١) مجمع البيان ٧ : ١٣٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨١.
(٢) في روح البيان : صلوثا.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٩.