وقال مقاتل : إنّه حين يقال لهم : ﴿اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾(١) يصيرون عميا وبكما وصمّا ، أمّا قبل ذلك فهم يرون ويسمعون وينطقون (٢) .
وقيل : إنّهم راؤون سامعون ناطقون في الموقف ، فاذا أخذوا يذهبون من الموقف إلى النار ، جعلهم الله عميا وبكما وصمّا (٣) .
ويمكن القول بأنهم حال حشرهم عمي وبكم وصمّ ، ثمّ عند ظهور أهوال القيامة من ظهور لهب النار وتغيّظ جهنم وزفيرها ، وعتاب الله لهم ، يصيرون رائين سامعين ناطقين.
ثمّ يكون ﴿مَأْواهُمْ﴾ ومنزلهم ﴿جَهَنَّمُ﴾ فيستقرّون فيها أبدا ﴿كُلَّما خَبَتْ﴾ وسكنت بسكون لهبها ، وهو حين أكلت جلودهم ولحومهم بحيث لم يبق ما تتعلق به النار ﴿زِدْناهُمْ سَعِيراً﴾ ولهيبا بتبديل جلودهم بجلود غيرها ﴿ذلِكَ﴾ العذاب ليس بسبب التشفّي بل ﴿جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا﴾ وبراهين توحيدنا ومعجزات نبينا ، ﴿وَ﴾ بأنهم ﴿قالُوا﴾ إنكارا للمعاد ﴿أَ إِذا﴾ متنا و﴿كُنَّا عِظاماً﴾ نخرة بالية ﴿وَرُفاتاً﴾ وأجزاء متفرّقة ﴿أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ من القبور إلى المحشر حال كوننا مخلوقين ﴿خَلْقاً جَدِيداً﴾ ومحيون حياة ثانية.
﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ
وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً * قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ
خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (٩٩) و (١٠٠)﴾
ثمّ لمّا كان منشأ استبعادهم المعاد الجهل بقدرة الله ، أنكر عليهم ترك التفكّر فيها بقوله : ﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا﴾ قيل : إنّ التقدير ألم يتفكّروا ، ولم يعلموا (٤)﴿أَنَّ اللهَ﴾ القادر ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ مع غاية عظمهما ، وكون خلقهما أعجب من خلق الكفّار البتة ﴿قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ ويوجدهم ثانيا بصورتهم الاولى بعد صيرورتهم رمما ورفاتا ﴿وَ﴾ لكن ﴿جَعَلَ﴾ الله بحكمته البالغة لا عادته ﴿لَهُمْ﴾ وبعثه إياهم ﴿أَجَلاً﴾ معينا ووقتا محققا ﴿لا رَيْبَ﴾ للعقلاء ﴿فِيهِ﴾ أنّه آت ، وهو يوم القيامة.
وقيل : إنّ المراد بالأجل وقت الموت (٥)﴿فَأَبَى الظَّالِمُونَ﴾ وامتنع الكافرون عن الانقياد للحقّ ، ولم يرضوا لأنفسهم ﴿إِلَّا كُفُوراً﴾ ونفورا عنه وجحودا به.
__________________
(١) المؤمنون : ٢٣ / ١٠٨.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ٦١ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٠٦.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ٦١.
(٤) تفسير أبي السعود : ٥ : ١٩٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٠٦.
(٥) تفسير البيضاوي ١ : ٥٨٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٤.