في تفسير سورة الكهف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً * قَيِّماً لِيُنْذِرَ
بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ
أَجْراً حَسَناً * ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً *ما لَهُمْ
بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ
كَذِباً (١) و (٥)﴾
ثمّ لمّا ختم سبحانه السورة المباركة المبتدأة بثناء ذاته بقدرته على تكميل محمد صلىاللهعليهوآله وأسرائه إلى أعلى مراتب العبودية ، ورفعه إلى مقام قاب قوسين أو أدنى ، المختومة بحمد نفسه وثنائها بالصفات الكمالية ، ونزاهته من اتخاذ الولد والشريك والولي ، أردفها بسورة الكهف المبدوءة. بحمد ذاته المقدسة على أعظم نعمائه ، وهو بعث خاتم الانبياء صلىاللهعليهوآله لهداية الناس وإنزال أعظم الكتب إليه المختومة بأمر نبيه صلىاللهعليهوآله بدعوة الناس إلى توحيده وتنزيهه من الشريك ، والقيام بوظائف العبودية والأعمال الصالحة ، فابتدأ فيها على حسب دأبه في الكتاب العزيز بذكر اسمائه المباركة ، بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.﴾
ثمّ افتتحها بحمد ذاته على أعظم النّعم بقوله : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ﴾ محمّد صلىاللهعليهوآله ، بتوسّط جبرئيل ﴿الْكِتابَ﴾ الّذي هو أفضل الكتب ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً﴾ واختلالا في اللّفظ ، وتناقضا في الآيات ، واختلافا في المطالب ، وانحرافا عن الحقّ ، وجعله ﴿قَيِّماً﴾ ومستقيما ، كما عن ابن عبّاس (١) ، أو كافلا لمصالح الخلق إلى يوم القيامة.
وعن القمي ، قال : هذا مقدّم ومؤخّر ، لأنّ معناه : الذي أنزل على عبده الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا (٢) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٧٥.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٠.