تَنْتَهِ﴾ ولم تردع ﴿يا نُوحُ﴾ عن الدعوة إلى التوحيد والايمان بك والانذار والوعظ ﴿لَتَكُونَنَ﴾ البتة فيما بيننا ﴿مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ والمطرودين عن أرضنا ، أو من المقتولين بالأحجار ، لأنّه أقبح قتلة ، أو من المشتومين.
عن الثّمالي : الرجم في جميع القرآن بمعنى القتل ، إلّا في سورة مريم في قوله : ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ﴾(١) فانّه بمعنى الشتم (٢) .
فعند ذلك يئس نوح عليهالسلام من إيمانهم ، واشتكى إلى ربّه و﴿قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾ وأصرّوا في ردّ قولي بعد ما دعوتهم ليلا ونهارا ﴿فَافْتَحْ﴾ واحكم ﴿بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً﴾ بما يستحق كلّ منّا ومنهم من الرحمة والعذاب ﴿وَنَجِّنِي﴾ وخلّصني ﴿وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ من شرّ الكفّار وممّا ينزل بهم من العذاب ، فاستجبنا دعاءه ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ﴾ من أهله والمؤمنين به بعد إرسال الماء من السماء وفورانه من الأرض بحملهم ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ والسفينة المملوءة بهم وبكلّ صنف من الحيوانات والأمتعة والمأكولات.
عن الباقر عليهالسلام : « المشحون : المجهّز الذي قد فرغ منه ولم يبق إلّا دفعه » (٣) .
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنا﴾ في الماء ﴿بَعْدُ الْباقِينَ﴾ من الناس ممّن لم يكن في السفينة
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من الانجاء والاغراق ﴿لَآيَةً﴾ وعظة وعبرة لمن بعدهم من الناس ﴿وَما كانَ﴾ مع ذلك ﴿أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بالله ورسله ، فلا تحزن يا محمّد على عدم إيمان قومك ، واصبر على أذاهم كما صبر نوح عليهالسلام ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمّد ﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والقادر على الانتقام وتعجيله ، ولكنّه ﴿الرَّحِيمُ﴾ بهم لإمهالهم كي يؤمنوا ، أو يلدوا مؤمنا.
﴿كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَ لا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ
أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى
رَبِّ الْعالَمِينَ * أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ
تَخْلُدُونَ * وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٢٣) و (١٣٠)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تسلية نبيه صلىاللهعليهوآله بذكر قصة هود بقوله : ﴿كَذَّبَتْ﴾ قبيلة يقال لها ﴿عادٌ﴾ انتسابا على جدّهم الأعلى ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ كلّهم بتكذيبه ﴿إِذْ قالَ لَهُمْ﴾ عظة ﴿أَخُوهُمْ﴾ في النسب اسمه
__________________
(١) مريم : ١٩ / ٤٦.
(٢) تفسير القرطبي ١٣ : ١٢١.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٢٥ ، وفيه : إلّا رفعه ، تفسير الصافي ٤ : ٤٥.