نُوحٍ﴾ كمن عدا إدريس ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ﴾ كإسحاق ومن بعده ﴿وَ﴾ ذريّة ﴿إِسْرائِيلَ﴾ كموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى. وفيه دلالة على أنّ ولد البنت كعيسى من الذّرية ﴿وَ﴾ هم ﴿مِمَّنْ هَدَيْنا﴾ هم إلى الحقّ والحقيقة والدين ﴿وَاجْتَبَيْنا﴾ هم للرّسالة ، واصطفيناهم لأنواع الكرامة ، وهم كانوا في العبودية والخضوع لله بحيث ﴿إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ﴾ المنزلة في بيان عظمته والبشارة بثوابه والتهديد بعقابه ﴿خَرُّوا﴾ وسقطوا على الأرض ﴿سُجَّداً﴾ وواضعين جباههم عليها خشوعا لله ﴿وَبُكِيًّا﴾ مسبلي الدموع من الرّهبة والخوف والشوق ، فإذا كانوا مع علوّ مقامهم ورفعة منزلتهم وقربهم من الله ، وكونهم من ذراري النبيّين ومن أعظام المرسلين عند سماع الآيات بتلك المثابة ، فغيرهم أولى بأن يكونوا كذلك.
قيل : إنّ المراد بالسجود هو الصلاة (١) . وقيل : هو سجود التلاوة (٢) . وقيل : هو كناية عن غاية الخضوع والخشوع (٣) ، وفيه دلالة على كون البكاء من آداب التّلاوة.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « اتلوا القرآن وابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا » (٤) .
وعن ابن عبّاس : إذا قرأتم (٥) سجدة سبحان فلا تعجّلوا بالسجود حتى تبكوا ، فإن لم تبك عين أحدكم فليبك قلبه (٦) .
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا
* إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ
شَيْئاً (٥٩) و (٦٠)﴾
ثمّ لمّا مدح الله سبحانه أنبياءه بالقيام بالعبوديّة وغاية الخضوع لله ، ذمّ أعقابهم من اليهود والنصارى الذين هم من بني إسرائيل ومشركي العرب ، الذين هم من ولد إسماعيل بقوله : ﴿فَخَلَفَ﴾ الأنبياء المذكورون وعقّبوا ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ وعقب سوء ﴿أَضاعُوا الصَّلاةَ﴾ وتركوها وأخّروها عن وقتها المقرّر لها ، أو أضاعوا ثوابها بالمعاصي ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ﴾ وسعوا في استعمال اللّذات النفسانيّة كشرب الخمر والزنا ونظائرهما.
عن ابن عباس : هم اليهود تركوا الصلاة المفروضة ، وشربوا الخمر ، واستحلّوا نكاح الاخت من الأب (٧) .
وعن الصادق عليهالسلام في تفسير إضاعة الصلاة قال : أضاعوها بتأخيرها عن وقتها من غير أن تركوها (٨) .
__________________
(١ - ٣) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣٤.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣٤ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٣.
(٥) في النسخة : قرء.
(٦) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣٤.
(٧) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣٥.
(٨) مجمع البيان ٦ : ٨٠٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٧.