﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ *
حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ * لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا
لا تُنْصَرُونَ * قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ *
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٣) و (٦٧)﴾
ثمّ ذمّ سبحانه الكفّار على غفلتهم من ذلك الكتاب بقوله : ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ وغفلة ساترة لها ﴿مِنْ هذا﴾ الكتاب الذي فيه جميع أعمالهم ، وقراءته عليهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ، فيجازون عليها ، أو من هذا القرآن ، أو من هذا الذي بيّناه فيه ﴿وَلَهُمْ أَعْمالٌ﴾ سيّئة أخر كمعاداة الرّسول ، والطّعن فيه وفي كتابه ﴿مِنْ دُونِ﴾ ما ذكر من الشّرك والغفلة عن الآخرة ، وسوى ﴿ذلِكَ هُمْ﴾ بخبث ذاتهم ورذالة أخلاقهم ﴿لَها عامِلُونَ﴾ وعليها مستمرّون ﴿حَتَّى إِذا أَخَذْنا﴾ وابتلينا ﴿مُتْرَفِيهِمْ﴾ ومتنعّميهم ﴿بِالْعَذابِ﴾ الدنيويّ والاخروي ﴿إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ﴾ ويستغيثون ، أو بأعلى صوتهم يضجّون ، فيقال لهم تقريعا وتبكيتا : ﴿لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ﴾ ولا تستغيثوا في هذا الوقت الّذي هو وقت إعطاء ما تستحقّون من الجزاء ﴿إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ﴾ ولا تعاونون على ما دهمكم من العذاب ، ولا تنجون منه لأنّه ﴿قَدْ كانَتْ آياتِي﴾ القرآنيّة ﴿تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ في الدّنيا ﴿فَكُنْتُمْ﴾ عند سماعها ﴿عَلى أَعْقابِكُمْ﴾ من شدّة النّفرة والإعراض عنها ﴿تَنْكِصُونَ﴾ وترجعون القهقرى ، والحال أنّكم (١)﴿مُسْتَكْبِرِينَ﴾ بالتّباعد من القرآن ومكذّبين ﴿بِهِ.﴾ وقيل : إنّ الضّمير راجع إلى الحرم ، لكونهم مفتخرين به ، وكانوا يقولون : لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم ، وشهرتهم به كافية عن ذكره(٢).
وقيل : إنّ ﴿بِهِ﴾ متعلّق بقوله : ﴿سامِراً﴾ والمعنى حال كونكم بذكر القرآن وبالطّعن فيه (٣) كنتم ﴿سامِراً﴾ ومتكلّما باللّيل. كما قيل : إنّهم كانوا يجتمعون باللّيل حول البيت ويسمرون ويتحدّثون بذكر القرآن والطّعن فيه (٤) ، و﴿تَهْجُرُونَ﴾ وتفحشون وتهزؤون بنسبته إلى الشّعر والسّحر وبسبّ النبي صلىاللهعليهوآله والقدح فيه.
﴿أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا
__________________
(١) كذا ، ولا تناسب النصب في الآية ، ولعلها تصحيف ( كونكم ) .
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١١١.
(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ١١١ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١٤٣.
(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ١١١ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١٤٣ ، تفسير روح البيان ٦ : ٩٣.