وقيل : إنّ لفظ الحرام مستعمل في معناه لا في ضدّه ، وكلمة ( لا ) في قوله : ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ زائدة والمراد : حرام عليهم أن يرجعوا إلى الدنيا (١) .
وعن ( الفقيه ) عن أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبة الجمعة. « أ لم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون ، والى الخلف الباقين منكم لا يبقون ، قال الله تعالى : ﴿وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾(٢).
وعن القمي عنهما عليهماالسلام قالا : « كلّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرّجعة »(٣).
وعن الباقر عليهالسلام قال : « كلّ قرية أهلكها الله بالعذاب فإنّهم لا يرجعون » (٤) .
﴿حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ
الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ
مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها
وارِدُونَ (٩٦) و (٩٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه غاية حرمة رجوعهم بقوله : ﴿حَتَّى إِذا فُتِحَتْ﴾ جهة ﴿يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ أو سدّة القبيلتين اللّتين مرّ تفصيلهما في الكهف (٥)﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ﴾ ومرتفع من الأرض ﴿يَنْسِلُونَ﴾ وينزلون بسرعة ، روي أنّهم يسيرون في الأرض ويقبلون على الناس من كلّ موضع مرتفع (٦) .
القمي : إذا كان آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون النّاس (٧) .
﴿وَاقْتَرَبَ﴾ عند ذلك ﴿الْوَعْدُ الْحَقُ﴾ بالحشر للحساب بعد النّفخة الثانية ﴿فَإِذا﴾ القصّة ﴿هِيَ شاخِصَةٌ﴾ ومنفتحة من غير طرف ﴿أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ممّا يرون من الأهوال والشّدائد قائلين تحسّرا وتندّما : ﴿يا وَيْلَنا﴾ ويا هلاكنا احضر إنّا ﴿قَدْ كُنَّا﴾ في الدّنيا منغمرين ﴿فِي غَفْلَةٍ﴾ عظيمة ﴿مِنْ هذا﴾ الذي نرى من البعث وأهواله ﴿بَلْ﴾ لم نكن في غفلة عنه لكثرة الآيات الدالّة عليه ، وإنّما ﴿كُنَّا ظالِمِينَ﴾ على أنفسنا بتعريضها للهلاك بسبب الإعراض عن الآيات وتكذيب الرّسل.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان بعض أهوال القيامة صرف الخطاب إلى مشركي مكّة بقوله : ﴿إِنَّكُمْ﴾ يا معشر المشركين ﴿وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ من الأصنام كلّكم ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ ووقودها الذي يرمى به فيها لتشتعل ﴿أَنْتُمْ﴾ مع أصنامكم ﴿لَها وارِدُونَ﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٢١.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٧٦ / ١٢٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٤.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٧٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٤.
(٤) مجمع البيان ٧ : ١٠٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٥.
(٥) في تفسير الآية (٩٣) من سورة الكهف.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٥٢٣.
(٧) تفسير القمي ٢ : ٧٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٥.