﴿الْقانِعَ﴾ بما عنده الراضي بقسمة الله ، أو الراضي بما أعطيته ، ولا يسخط ولا يكلح ولا يلوي شدقه غضبا كما عن الصادق عليهالسلام (١)﴿وَ﴾ الفقير ﴿الْمُعْتَرَّ﴾ المتعرّض للسؤال ، ولم يسأل على قول (٢) ، أو يعتريك ولا يسأل كما عن الصادق عليهالسلام (٣) ، أو المارّ بك لتعطيه (٤) كما عنه أيضا (٥)﴿كَذلِكَ﴾ التسخير البديع لها مع عظم جثّتها وقوّتها ﴿سَخَّرْناها لَكُمْ﴾ وذلّلناها لمنافعكم بحيث يسهل عليكم التصرّف فيها كيف تشاءون ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هذه النّعمة العظيمة التي تنتفعون بها في دينكم ودنياكم.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ البدن من الشعائر وتعظيم الشعائر من التّقوى ، رغّب المؤمنين إليها بقوله: ﴿لَنْ يَنالَ اللهَ﴾ ولا يصل إليه أبدا ﴿لُحُومُها وَلا دِماؤُها﴾ بوجه من الوجوه ﴿وَلكِنْ يَنالُهُ﴾ ويرتفع إليه ﴿التَّقْوى﴾ والطاعة ﴿مِنْكُمْ﴾ ويوجب رضاه عنكم فيثيبكم عليها.
في ( الجوامع ) : روي أنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا نحروا لطّخوا البيت بالدّم ، فلمّا حجّ المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام أنّه سئل ما علّة الاضحيّة ؟ قال : « إنّه يغفر لصاحبها عند أوّل قطرة قطرت (٧) من دمها على الأرض ، وليعلم الله من يتّقيه بالغيب ، قال الله عزوجل : ﴿لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها﴾ الآية » ثمّ قال : « انظر كيف قبل الله قربان هابيل وردّ قربان قابيل » (٨) .
ثمّ حثّهم بتذكير نعمته وذكر علّته بقوله : ﴿كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ﴾ وتعرفوا عظمته وقدرته على ما لا يقدر عليه غيره ، فتوحّدوه بالكبرياء ، أو تكبّروه على إرشادكم إلى طريق تسخيرها وكيفيّة التقرّب بها ﴿وَبَشِّرِ﴾ يا محمّد ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ في عقائدهم وأعمالهم المخلصين لله في ما يأتون ويذرون بقبول الطاعات والفوز بالدّرجات العاليات في الآخرة.
﴿إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ * أُذِنَ لِلَّذِينَ
يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٨) و (٣٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ترغيب الناس في الحج ، بشّرهم بتأمينهم من أذى المشركين مع كونهم صادّين عنه بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ يُدافِعُ﴾ ويبالغ في دفع ضرر المشركين ﴿عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ويحميهم أشدّ الحماية من أذاهم ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ﴾ ومبالغ في تضييع أحكامه التي هي أمانته ، وكلّ
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٩٩ / ١ ، معاني الأخبار : ٢٠٨ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٩.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٣٦.
(٣) معاني الأخبار : ٢٠٨ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٩.
(٤) في معاني الأخبار : تطعمه.
(٥) معاني الأخبار : ٢٠٨ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٩.
(٦) جوامع الجامع : ٣٠١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٠.
(٧) في علل الشرائع : تقطر.
(٨) علل الشرائع : ٤٣٧ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٠.