وعن السّدّي : كانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ، ثمّ عادوا إلى منازلهم ، فلمّا كان هذا الوقت قال آزر لإبراهيم عليهالسلام : لو خرجت معنا ؟ فخرج معهم ، فلمّا كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال : ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ واشتكى رجله ، فلمّا مضوا وبقي الضعفاء نادى ﴿وَ﴾ قال : ﴿تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ﴾(١) .
وعن الكلبي : كان إبراهيم من أهل بيت ينظر [ ون ] في النجوم ، وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلّا مريضا ، فلمّا همّ إبراهيم بكسر الأصنام ، نظر قبل يوم العيد إلى السماء ، فقال لأصحابه : أراني أشتكي غدا ، فأصبح من الغد معصوبا رأسه ، فخرج القوم لعيدهم ولم يتخلّف أحد غيره ، فقال : أما والله لأكيدنّ أصنامكم ، فسمع قوله رجل منهم ، فأخبر به غيره فانتشر ذلك (٢) .
وروي أنّ آزر خرج به في عيد لهم ، فبدأوا ببيت الأصنام فدخلوه ، وسجدوا لها ووضعوا بينها طعاما وخبزا ، وقالوا : الآن ترجع بركة الآلهة على طعامنا ، فذهبوا وبقي إبراهيم عليهالسلام فنظر إلى الأصنام فقال مستهزئا بهم : ما لكم لا تنطقون ، ما لكم لا تأكلون ؟ ! ثمّ التفت إلى فأس معلّق فتناوله ، وكان هناك سبعين صنما ، وكان صنم عظيم مستقبل الباب ، وكان من ذهب ، وكان في عينيه جوهرتان تضيئان ، فكسر الكلّ بالفأس ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً﴾ وقطعا متفرّقة ﴿إِلَّا كَبِيراً﴾ كان ﴿لَهُمْ﴾ فإنّه عليهالسلام لم يكسره وعلّق الفأس في عنقه (٣)﴿لَعَلَّهُمْ﴾ بعد رجوعهم من عيدهم ورؤيتهم فعل إبراهيم عليهالسلام ﴿إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ في تعيين الكاسر لتسامعهم إنكاره لدينهم وسبّه آلهتهم ، أو إلى مقالته من التوحيد يرجعون ، وعن دينهم الباطل يعدلون ، لرؤيتهم أنّ أصنامهم لم يقدروا على أن يدفعوا عن أنفسهم ضرّا ولم ينل من أهانهم (٤) وكسرهم ضرر.
وقيل : يعني لعلّهم إلى الصنم الكبير يرجعون ، وإنّما قال عليهالسلام ذلك استهزاء بهم (٥) .
وقيل : يعني يرجعون إليه في حلّ مشكلهم من تعيين الكاسر ، وعلّة إبقاء الكبير وتعليق الفأس في عنقه وكسر ما عداه (٦) ، حتّى يظهر غاية جهالتهم وحماقتهم.
﴿قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ
لَهُ إِبْراهِيمُ * قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قالُوا أَ أَنْتَ
فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ * قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٢.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ٧٣.
(٤) في النسخة : أهان بهم.
(٥ و٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٣.