ويؤيده ما روي عن الجواد عليهالسلام من أنّه قيل له : إنّهم يقولون في حداثة سنّك ؟ فقال : « إنّ الله تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان عليهماالسلام وهو صبي يرعى الغنم ، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلمائهم ، فأوحى الله إلى داود عليهالسلام أن خذ عصيّ المتكلّمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم ، فاذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود عليهالسلام فقالوا : قد رضينا وسلّمنا » الخبر (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « يعني الملك والنبوّة » (٢) وعلى أي تقدير جلس سليمان بعد أبيه على سرير الملك ﴿وَقالَ﴾ تحديثا بنعمة الله وفضله عليه ودعوة إلى تصديق نبوته ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ اعلموا أنّا ﴿عُلِّمْنا﴾ من قبل الله والهمنا ﴿مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ وفهم مراداتهم من أصواتهم التي يصوّتون بها لتفهيم أغراضهم.
ثم بعد حديثه بنعمة علمه بمنطق الطير حدّث بعلمه لمنطق الحيوانات وسائر ما تفضل الله عليه بقوله : ﴿وَأُوتِينا﴾ واعطينا حظّا وافرا ﴿مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ كالملك والنبوّة والكتاب وتسخير الرياح والجنّ والشياطين ومنطق الدوابّ وعين القطر (٣) والصّفر وغير ذلك ﴿إِنَّ هذا﴾ المذكور من العلوم والنّعم ﴿لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ والعطاء الجسيم والمزيّة الظاهرة التي لا يشاركنا فيها أحد.
قيل : اعطي سليمان جميع ما اعطي داود ، وزيد له تسخير الجنّ والريح ومنطق (٤) الطير ، ولمّا تولّى الملك جاءه جميع الحيوانات يهنّئونه إلّا نملة واحدة ، فجاءت تعزّية فعاتبها النمل في ذلك ، فقالت :
كيف اهنّئه وقد علمت أنّ الله إذا أحبّ عبدا زوى عنه الدنيا وحبّب إليه الآخرة ، وقد شغل سليمان بأمر لا يدرى [ ما ] عاقبته ، فهو بالتعزية أولى » (٥) .
عن الصادق عليهالسلام : « اعطي سليمان بن داود مع علمه معرفة المنطق بكلّ لسان (٦) ، ومنطق الطير والبهائم والسّباع ، وكان إذا شاهد الحروب تكلّم بالفارسية ، وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلّم بالرومية ، وإذا خلا بنسائه تكلّم بالسريانية والنبطية ، وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلّم بالعربية ، وإذا جلس للوفود والخصماء تكلّم بالعبرانية » (٧) .
أقول : الحقّ أنه عليهالسلام كان يتكلّم مع أهل كلّ لسان بلسانهم ، وإنّما أتى في كلامه بنون الواحد المطاع لقضاء صلاح الملك إظهار عظمته ونفوذ سلطانه.
__________________
(١) الكافي ١ : ٣١٤ / ٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٠.
(٢) جوامع الجامع : ٣٣٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٠.
(٣) القطر : النحاس.
(٤) في تفسير روح البيان : وفهم نطق.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٣٣١.
(٦) زاد في تفسيري القمي والصافي : ومعرفة اللغات.
(٧) تفسير القمي ٢ : ١٢٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٠.