﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذا
أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ
سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً
تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ * وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ
لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (١٧) و (٢٠)﴾
ثمّ حكى سبحانه عظمة ملكه بقوله : ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ﴾ وجمع من أطراف مملكته عسكره ﴿مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ﴾ واحضروا عنده ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ ويكفّون عن الخروج عن طاعته ويحبسون عليها ، أو يمنعون من تقدّم بعض على بعض ليكون سيره على ترتيب واحد ، أو يوقفون في مكان واحد ويمنعون عن التفرّق.
روي أنّ معسكره كان مائة فرسخ في مائه ، خمسة وعشرون منه للإنس ، وخمسة وعشرون للجنّ ، وخمسة وعشرون للطير ، وخمسة وعشرون للوحش ، وقد نسجت له الجنّ بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ ، وكان يوضع منبره في وسطه ، وهو من الذهب فيقعد عليه ، وحوله ستمائة ألف كرسيّ من ذهب وفضّة ، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب ، والعلماء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجنّ والشياطين ، وتظلّه الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس ، وترفع الريح (١) البساط فتسير به مسيرة شهر (٢) ،
فسار سليمان عليهالسلام وجنوده يوما على البساط ﴿حَتَّى إِذا أَتَوْا﴾ وأشرفوا ﴿عَلى وادِ النَّمْلِ﴾ أو بلغوا آخره. قيل : هو بالشام (٣) . وقيل : بالطائف كثير النّمل (٤) .
عن الصادق عليهالسلام : « أن لله واديا ينبت الذهب والفضّة ، وقد حماه الله بأضعف خلقه وهو النمل ، لو رامته البخاتي (٥) ما قدرت عليه » (٦) .
ثمّ قيل : إنّهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي ومنتهاه (٧) ، إذن ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ﴾ حين ما رأتهم متوجّهين إليهم ، قاصدين للنزول قريبا منهم : ﴿يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ﴾ لأجل أن ﴿لا يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ ولا يقتلنّكم بأرجلهم ﴿سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ﴾ إذا نزلوا بواديكم ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أنّهم
__________________
(١) في تفسير روح البيان : وترفع ريح الصبا.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٢.
(٣و٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٣.
(٥) زاد في تفسير القمي : من الإبل ، والبخاتيّ ، جمع بختي : وهي الإبل الخراسانية.
(٦) تفسير القمي ٢ : ١٢٦ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٢.
(٧) تفسير الرازي ٢٤ : ١٨٧ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٣.