العلم لتحدّث به الناس واطلبه لتعمل به ، وكن نفّاعا ولا تكن ضرّارا ، وكن بشّاشا ولا تكن عبوسا غضابا ، وإيّاك واللّجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تضحك من غير عجب ، ولا تعيّر المذنبين لعلّ الله يغفر خطاياهم بعد الندم ، وابك على خطيئتك ما دمت حيّا ، ولا تؤخّر عمل اليوم إلى الغد ، واجعل همّك في معادك ، ولا تخض في ما لا يعنيك ، وتدبّر الأمور في علانيتك ، ولا تذر الإحسان في قدرتك. فقال له موسى عليهالسلام : قد أبلغت في الوصيّة.
إلى أن قال : فقال له الخضر : أوصني أنت يا موسى. فقال موسى عليهالسلام له : إيّاك والغضب إلّا في الله ، ولا تحبّ الدنيا ، فإنّها تخرجك من الإيمان إلى الكفر. فقال الخضر : قد أبلغت في الوصيّة ، الخبر(١) .
أقول : في هذه القصّة فوائد من شرف العلم وحسن طلبه ، وتبعيّة العالم والتذلّل له وعدم المبادرة في الاعتراض عليه ، ومعرفة لطف الله بعباده ، ورعايته تعالى حقوقهم في ذريّتهم وأموالهم ، وحسن الاعتذار من المقصّر وقبول عذره ، ومداراة المعلّم مع المتعلّم ، إلى غير ذلك ممّا يعرفه المتأمّل فيها.
﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣)﴾
ثمّ ذكر سبحانه القصّة الثالثة التي سأل اليهود النبيّ صلىاللهعليهوآله عنها امتحانا لنبوّته بقوله : ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ الأكبر الذي ملك الدنيا بأسرها. واسمه إسكندر بن فيلقوس اليوناني ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿سَأَتْلُوا﴾ وأقرأ من القرآن ﴿عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً﴾ وخبرا ، أو المعنى سأتلو ما في شأنه من قبل الله قرآنا عليكم. قيل : كان بعد نمرود في عهد إبراهيم ، وعاش ألفا وستّمائة سنة (٢) .
وعن العيّاشي ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّ اسمه عيّاش ، اختاره الله وبعثه إلى قرن من قرون الأولى في ناحية المغرب ، وذلك بعد طوفان نوح » (٣) .
وعن ابن عبّاس : أنّه في زمان إبراهيم (٤) .
وعنه : أنّ إبراهيم كان بمكّة ، فأقبل إليها ذو القرنين ، فلمّا كان بالأبطح قيل له : في هذا البلد إبراهيم خليل الرحمن ، فقال ذو القرنين : ما كان ينبغي لي أن أركب في بلدة فيها إبراهيم. فنزل ومشى إليه ، فسلّم عليه إبراهيم واعتنقه ، وهو أوّل من عانق بعد السّلام (٥) .
وقيل : إنّه إسكندر الرومي ، وكان وزيره واستاذه أرسطاطاليس ، وكان بعد إسكندر إبراهيم بأكثر من
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٧.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩٠.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ١١٢ / ٢٧٠٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٠.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩١.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩١ ، وفيه : عند السّلام.