﴿فَأَرادَ رَبُّكَ﴾ بأمره بتسوية جدار الغلامين ﴿أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما﴾ ويصلا إلى حدّ كمالهما من البلوغ وكمال العقل وحسن التدبير في المال ﴿وَيَسْتَخْرِجا﴾ من تحت الجدار ﴿كَنزَهُما﴾ بسهولة ، ولو لا إقامته لخرب وخرج الكنز وظهر قبل اقتدارهما عليه وضاع بالكليّة ، وإنّما كانت تلك الإرادة منه تعالى ﴿رَحْمَةً﴾ عظيمة لهما ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ ولذا فعلت ما رأيت ﴿وَما فَعَلْتُهُ﴾ أو ما فعلت جميع ما رأيت من خرق السفينة وغيره ﴿عَنْ أَمْرِي﴾ ورأيي ، بل فعلته بأمر الله تعالى ووحيه ﴿ذلِكَ﴾ المذكور ﴿تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.﴾
قيل : إنّ الخضر في تأويل خرق السفينة نسب إرادة التعييب إلى نفسه ، لكون التعييب ظاهر القبح ، وفي تأويل القتل إلى ضمير « نا » لكون الكفر ممّا يجب أن يخشاه كلّ أحد ، وفي تأويل إقامة الجدار إلى الربّ لكون بلوغ الأشدّ ليس إلّا بإرادته تعالى وحده (١) .
قيل : لمّا أسند الخضر الإرادة إلى نفسه أوّلا ، ألهم بأنّه من أنت حتى تكون لك الإرادة ؟ ثمّ جمع في الثانية حيث قال : فأردنا ، فألهم بأنّه من أنت وموسى حتى تكون لكما الإرادة ؟ فخصّ في الثالثة الإرادة بالله (٢) .
وقيل : إنّه في خرق السفينة ذكر العيب فأضافه إلى نفسه ، وفي قتل الغلام عبّر عن نفسه بضمير الجمع تنبيها على عظمته في العلم والحكمة ، ولذا لم يقدم على القتل إلّا لحكمة بالغة ، ولمّا ذكر في الغلامين رعاية صلاحهما أضاف الإرادة إلى الله تنبيها على أنّ المراعي لصلاح الخلق هو الله (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام في قوله : ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها﴾(٤) : « نسب الإرادة إلى نفسه لعلّة ذكر العيب » (٥) إلى أن قال : « وفي قوله : ﴿فَخَشِينا﴾ إنّما اشترك في الأنانيّة ، لأنّه خشي والله لا يخشى ؛ لأنّه لا يفوته شيء ، ولا يمتنع عليه أمر أراده. وإنّما خشي الخضر من أن يحال بينه وبين ما أمر به ، فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه ، ووقع في نفسه أنّ الله جعله سببا لرحمة أبوي الغلام ، فعمل فيه وسط الأمرين من البشرية مثل ما كان عمل في موسى عليهالسلام لأنّه صار في الوقت مخبرا ، وكليم الله مخبرا » (٦) .
أقول : لمّا كان فهم الرواية في غاية الإشكال تركت نقل بقيّتها.
روي أنّ موسى عليهالسلام لمّا أراد أن يفارق الخضر قال له الخضر : لو صبرت لأتيت ألف عجيبة ، كلّ عجيبة أعجب ممّا رأيت. فبكى موسى عليهالسلام على فراقه وقال له : أوصني يا نبيّ الله. قال : لا تطلب
__________________
(١ و٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٧.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٦٢.
(٤) الكهف : ١٨ / ٧٩.
(٥) في علل الشرائع : التعييب.
(٦) علل الشرائع : ٦١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٧.