عن ابن عبّاس : يعني عالمين حافظين (١) ، إذ لا أعلم ولا أحفظ منّا.
ثمّ أنّه تعالى بعد إبطال الشّرك ، وإثبات التوحيد والمعاد بالأدلّة القاطعة ، ودفع شبهة المشركين في الرسالة ، شرع في بيان أحوال الأنبياء العظام الّذين كانوا من البشر ودعاة إلى التوحيد والمعاد بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَ﴾ أخاه ﴿هارُونَ﴾ التّوراة الّتي تكون هي ﴿الْفُرْقانَ﴾ والمميّز بين الحقّ والباطل ﴿وَضِياءً﴾ يستضاء بها في ظلمات الحيرة والجهالة ﴿وَذِكْراً﴾ وعظة عظيمة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ والمحترزين من القبائح وسوء العواقب ، فإنّهم المستضيئون بأنواره المغتنمون بغنائم آثاره.
وقيل : إنّ الفرقان هو النّصر على الأعداء (٢) .
وقيل : هو البرهان الذي فرّق به الدين الحقّ عن الأديان الباطلة (٣) .
وقيل : هو فلق البحر (٤) .
﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ * وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ
أَنْزَلْناهُ أَ فَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠)﴾
ثمّ وصف الله المتّقين بقوله : ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ ويخافون من عذابه الذي يكون ﴿بِالْغَيْبِ﴾ عنهم ، وفي السّتر عن أعينهم.
وقيل : يعني يخشون ربّهم وهم غائبون عن الآخرة (٥) .
وقيل : يخشون ربّهم في الخلوات والغياب عن الناس (٦)﴿وَهُمْ مِنَ﴾ عذاب ﴿السَّاعَةِ﴾ وأهوالها ﴿مُشْفِقُونَ﴾ ووجلون ، أو مرتعدون ، فلذلك يحترزون عن اتّباع الشّهوات وارتكاب السيّئات.
ثمّ لمّا مدح الله سبحانه التوراة ، مدح القرآن بقوله : ﴿وَهذا﴾ القرآن العظيم ﴿ذِكْرٌ﴾ وعظة للناس إلى يوم القيامة و﴿مُبارَكٌ﴾ كثير الخير والنفع ، أو ما يتبرّك به ﴿أَنْزَلْناهُ﴾ بتوسط جبرئيل كما أنزلنا التوراة من قبل ﴿أَ فَأَنْتُمْ﴾ يا معشر قريش ﴿لَهُ﴾ نزولا وبركة ﴿مُنْكِرُونَ﴾ مع عدم المجال لإنكاره لاشتماله على معجزات كثيرة.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ * إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ
التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ * قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ * قالَ لَقَدْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤٨٦.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧٨ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٧١.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧٩.
(٤) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧٩ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٧١.
(٥ و٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧٩.