﴿لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى * وَإِنْ تَجْهَرْ
بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٦) و (٧)﴾
وإنّما وصف ذاته بالرحمانيّة إشعارا بأنّ مبدأ خلق الموجودات رحمته الواسعة ﴿لَهُ﴾ تعالى ﴿ما فِي السَّماواتِ﴾ من الملائكة والكواكب وغيرهما ﴿وَما فِي الْأَرْضِ﴾ من الحيوان والنبات وغيرهما ، ﴿وَما بَيْنَهُما﴾ من المخلوقات في الجوّ كالهواء والسّحاب وغيرهما ﴿وَما تَحْتَ الثَّرى﴾ قيل : إنّه ما تحت الأرضين السبع (١) . وقيل : ما تحت الصخرة التي عليها الأرض [ السابعة ](٢) .
عن الصادق عليهالسلام : « الأرض على الحوت ، والحوت على الماء ، والماء على الصخرة التي عليها ، والصخرة على قرن ثور أملس ، والثور على الثّرى ، وعند ذلك ضلّ علم العلماء » (٣) .
أقول : الرواية من المتشابهات المفوّض علمها إليهم عليهمالسلام.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « كلّ شيء على الثرى ، والثرى على القدرة ، والقدرة تحمل كلّ شيء » (٤) .
ثمّ بيّن سبحانه سعة علمه بقوله : ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ﴾ وتعلن ﴿بِالْقَوْلِ﴾ من الذّكر والدعاء ، فاعلم أنّه تعالى غني عن الجهر ﴿فَإِنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ والمكتوم ﴿وَأَخْفى﴾ منه.
عن الصادق عليهالسلام : « السرّ : ما أكننته في نفسك ، وأخفى : ما خطر ببالك ثمّ نسيته » (٥) .
وقيل : إنّ الأخفى ما ستسرّه فيما بعد ولا تعلمه (٦) .
﴿اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى * وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى * إِذْ رَأى
ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى
النَّارِ هُدىً * فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ
بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (٨) و (١٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان كماله في الذات والصفات ، أعلن بتوحيده في الألوهيّة بقوله : ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ لا تنحصر أسماؤه وصفاته فيما ذكر ، بل ﴿لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى﴾ والصفات العليا كلّها ، وفي الإتيان بضمير الغائب مع حضوره عند كلّ شيء ، إشعار بغيبة ذاته وحقيقته عن درك الحواسّ
__________________
(١ و٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٥.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٥٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٠.
(٤) الخصال : ٥٩٧ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٠.
(٥) معاني الأخبار : ١٤٣ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٠.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٣٦٦ ، وفيه : ما ستسرّه فيما سيأتي ، أي ما يلقيه الله في قلبك من بعد ، ولا تعلم أنك ستحدّث به نفسك.