وتفصيل نزولهما في سورة البقرة ، وقلنا لكم بلسان الرّسول أو بدلالة الفعل : ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ ولذائذ ما أنعمنا عليكم من الطعام ، أو من حلاله ﴿وَلا تَطْغَوْا﴾ ولا تجاوزوا الحدّ ﴿فِيهِ﴾ بالسّرف والبطر ، والمنع من المستحقّ ، والإدّخار منه لأكثر ممّا يحتاج إليه في اليوم واللّيلة ، والإخلال بالشّكر ﴿فَيَحِلَ﴾ عند تلك الامور ﴿عَلَيْكُمْ غَضَبِي﴾ ويلزمكم عقابي ، ويجب لكم انتقامي.
ثمّ بالغ في تهديدهم ببيان شدّة غضبه وعظمة انتقامه بقوله : ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ﴾ وينزل ﴿عَلَيْهِ غَضَبِي﴾ وعذابي ﴿فَقَدْ هَوى﴾ وهلك إلى الأبد ، أو هوى في جهنّم وسقط فيها.
عن الباقر عليهالسلام سئل ما ذلك الغضب ؟ فقال : « هو العقاب » (١) .
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)﴾
ثمّ بشّر سبحانه العصاة بقبول توبتهم بقوله : ﴿وَإِنِّي﴾ والله ﴿لَغَفَّارٌ﴾ وستار للذّنوب ﴿لِمَنْ تابَ﴾ ورجع عن الشّرك والكفر ، وندم على العصيان الذي منه الطّغيان في ما رزق ﴿وَآمَنَ﴾ بما يجب الإيمان به ﴿وَعَمِلَ صالِحاً﴾ وعملا مستقيما عند العقل والشّرع ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ وثبت على الحقّ في العقائد والأعمال إلى الخروج من الدّنيا ، كما قيل عن ابن عبّاس : ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ أي علم أنّ ذلك بهداية الله وتوفيقه ، وبقي مستعينا بالله في إدامة ذلك من غير تقصير (٢) .
وقيل : هذه الخطابات لبني إسرائيل الّذين كانوا في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله على معنى أنّه تعالى قد منّ عليهم بما فعل بآبائهم أصالة وبهم تبعا ، فإنّه لو لا تلك النّعم على آبائهم لم يبق منهم نسل ولم يوجد من كان في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله.
وقال المولى أبو السعود : ويردّه ما سيأتي من قوله تعالى : ﴿وَما أَعْجَلَكَ﴾ الآية ضرورة استحالة حمله على الإنشاء (٣) . وفيه : أنّه يمكن أن يكون قوله تعالى : ﴿وَما أَعْجَلَكَ﴾ رجوعا إلى القصّة بعد موعظة أهل عصر النبيّ صلىاللهعليهوآله.
عن الباقر عليهالسلام في هذه الآية قال : « ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتى (٤) اهتدى ، والله لو جهد أن يعمل [ بعمل ] ما قبل منه حتى يهتدي » . قيل : إلى من جعلني الله فداك ؟ قال : « إلينا » (٥) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله قال في حديث لعلي عليهالسلام : « ولقد ضلّ من ضلّ عنك ، ولن يهتديّ إلى الله من لم
__________________
(١) التوحيد : ١٦٨ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٤.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٩٧.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ٣٢.
(٤) في النسخة : الصالح وقال ثم.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٦١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٤.