العقل ﴿قالَ﴾ تعالى قهرا عليهم : ﴿اخْسَؤُا فِيها﴾ وانزجروا زجر الكلاب وأسكتوا سكوت الذّلّ والهوان ﴿وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ بشيء من الاعتذار ، ولا تسألوا رفع العذاب عنكم أو تخفيفه ، لعدم قابليته للقبول والاجابة.
قيل : هو آخر كلام يتكلّمون به ، ثمّ ليس لهم بعد ذلك إلّا الزّفير والشهيق والعواء كعواء الكلب(١) .
عن ابن عباس : لهم ستّ دعوات : إذا دخلوا النار قالوا ألف سنة : ﴿رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا﴾ فيجابون : ﴿حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾(٢) . ثمّ ينادون ألف سنة ثانية : ﴿رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ فيجابون : ﴿ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾(٣) . ثمّ ينادون ألف سنة ثالثة : ﴿يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾ فيجابون : ﴿إِنَّكُمْ ماكِثُونَ﴾(٤) . ثمّ ينادون ألف سنة رابعة : ﴿رَبَّنا أَخِّرْنا﴾ فيجابون : ﴿أَ وَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ﴾(٥) . ثمّ ينادون ألف سنة خامسة : ﴿أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً﴾ فيجابون ﴿أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ﴾(٦)
(٧) ثمّ ينادون ألف سنة سادسة ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ فيجابون : ﴿اخْسَؤُا فِيها﴾(٨) .
وعن القمّي : بلغني والله أعلم أنّهم يتداكّون بعضهم على بعض سبعين عاما حتّى ينتهوا إلى قعر الجحيم (٩) .
﴿إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ
الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ
تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ * قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ
فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ * قالَ
إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٠٩) و (١١٤)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة استحقاقهم العذاب المهين بقوله : ﴿إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي﴾ وطائفة من المؤمنين بوحدانيتي ورسالة رسولي ﴿يَقُولُونَ﴾ في الدنيا : ﴿رَبَّنا آمَنَّا﴾ بك وبما جاء به رسولك ، وصدّقنا جميع ما أردت تصديقه منّا ﴿فَاغْفِرْ لَنا﴾ ذنوبنا ، واسترها بكرمك ﴿وَارْحَمْنا﴾ وأنعم علينا بنعمك الواسعة الدنيوية والاخروية ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾ وأفضل المنعمين ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٥.
(٢) السجدة : ٢ / ١٢ و١٣.
(٣) غافر : ٤٠ / ١١ و١٢.
(٤) الزخرف : ٤٣ / ٧٧.
(٥) إبراهيم : ١٤ / ٤٤.
(٦) فاطر : ٣٥ / ٣٧.
(٧) فاطر : ٣٥ / ٣٧.
(٨) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٥.
(٩) تفسير القمي ٢ : ٩٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٢.