فألان له الحديد ، وكان يتّخذ الدّرع من الحديد ويبيعها ، ويأكل من ذلك (١) .
وعن الصادق عليهالسلام « أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قال : أوحى الله إلى داود عليهالسلام : أنّك نعم العبد لو لا أنّك تأكل من بيت المال ، ولا تعمل بيدك شيئا. قال : فبكى داود عليهالسلام أربعين صباحا ، فأوحى الله إلى الحديد : أن لن لعبدي داود. فألان الله له الحديد ، فكان يعمل في كلّ يوم درعا ، فيبيعها بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستّين درعا ، فباعها بثلاثمائة وستّين ألفا ، واستغنى عن بيت المال » (٢) .
﴿وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ
شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ
وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)﴾
ثمّ بيّن سبحانه نعمه الخاصّة على سليمان عليهالسلام بقوله : ﴿وَلِسُلَيْمانَ﴾ سخّرنا ﴿الرِّيحَ﴾ التي تكون ﴿عاصِفَةً﴾ شديدة الهبوب بحيث تقطع المسافة البعيدة في المدّة القليلة ، وكانت ﴿تَجْرِي﴾ من كلّ جانب ﴿بِأَمْرِهِ﴾ وإرادته ﴿إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا﴾ وأكثرنا النّعم الدنيويّة والاخرويّة ﴿فِيها.﴾
قيل : كانت تذهب به غدوة من الشام إلى ناحية من نواحي الأرض بينها وبين الشام مسيرة شهر إلى وقت الزّوال ، ثمّ ترجع [ به ] منها إلى الشام بعد الزّوال عند الغروب (٣) .
قيل : عملت الشياطين لسليمان بساطا ، فرسخا في فرسخ من ذهب وإبريسم ، وكان يوضع له منبر في وسط البساط فيقعد عليه ، وحوله كراسيّ من ذهب وفضّة ، يقعد الأنبياء على كراسيّ الذهب ، والعلماء على كراسيّ الفضّة ، وحولهم الناس ، وحول النّاس الجنّ والشياطين ، وتظلّه الطير بأجنحتها حتى لا تطلع عليه الشمس ، وترفع ريح الصّبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرّواح ، ومن الرواح إلى الغروب ، وكان عليهالسلام امرءا قلّما يقعد عن الغزو ، ولا يسمع في ناحية من الأرض ملكا إلّا أتاه ودعاه إلى الحقّ (٤) .
وقيل : جريانها بأمره كونها مطيعة له ، إن أرادها عاصفة كانت عاصفة ، وإن أرادها لينة كانت لينة (٥) .
وكانت تسير من إصطخر إلى الشّام (٦) . وقيل : إلى بيت المقدس (٧) .
ثمّ بيّن سعة علمه بالمصالح بقوله : ﴿وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ﴾ ولذا صحّ منّا أن ندبّر هذا التدبير في رسلنا وخلقنا ، وأن نعطي هذه المعجزات لمن نراه أهلا لها ، أو لعلمنا بكلّ شيء نجريه على ما
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٥٠٨.
(٢) الكافي ٥ : ٧٤ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٠.
(٣ و٤) تفسير روح البيان ٥ : ٥١٠.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠١.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠١ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٨٠.
(٧) تفسير القمي ٢ : ٧٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٠.