وقيل : إن الاستثناء منقطع ، والمعنى ولكن من ظلم نفسه من المرسلين بارتكاب ما هو ذنب بالنسبة إليه من الترك للأولى ، كآدم الذي قال : ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا﴾(١) وداود ، وسليمان ، وموسى حيث قال : ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾(٢) وإنّما حسن هذا الاستثناء للتعريض بما وجد من موسى عليهالسلام من قتل القبطي بغير إذن من الله ، أو للاعلان بسعة رحمته للمذنبين.
﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ
وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ * فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ
مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الْمُفْسِدِينَ (١٢) و (١٤)﴾
ثمّ أراه المعجزة الاخرى بقوله : ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ قيل : لم يقل في كمّك ؛ لأنّه كان عليه جبّة صغيرة من صوف لا كمّ لها ، كان يلبسها بدل القميص (٣) ، فامر بإدخال يده فيها ، ثمّ كأنه قال : فان أدخلت يدك فيها ﴿تَخْرُجْ﴾ منها حال كونها ﴿بَيْضاءَ﴾ براقة لها شعاع كشعاع الشمس ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ وآفة فيها من برص ونحوه.
عن الصادق عليهالسلام قال : « من غير برص » (٤) .
فهذان الآيتان ﴿فِي﴾ جملة ﴿تِسْعِ آياتٍ﴾ التي أعطيكها ، وقيل : إنّ كلمة ( في ) بمعنى ( مع ) (٥) والمعنى : اذهب مع تسع آيات معهودة من العصا ، واليد البيضاء ، والجدب ، والطّوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، والطّمس ﴿إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ القبطيين داعيا لهم إلى توحيدي وطاعتي ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ﴾ وخارجين عن الحدّ في الكفر والطّغيان.
ثمّ بيّن سبحانه كثرة شقاوتهم بقوله : ﴿فَلَمَّا جاءَتْهُمْ﴾ توسّط موسى عليهالسلام ﴿آياتُنا﴾ التسع حال كونها ﴿مُبْصِرَةً﴾ مستنيرة واضحة الدلالة مفرطة في الإنارة ووضوح الدلالة بحيث كادت أن تبصر نفسها لو كانت قابلة للإبصار ﴿قالُوا﴾ عنادا وشقاقا : ﴿هذا﴾ الذي جاء به موسى ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وشعبذة ظاهرة لكلّ أحد ﴿وَجَحَدُوا بِها﴾ وأنكروا كونها آيات إلهية ومعجزات باهرة بألسنتهم ﴿وَ﴾ الحال أنّه قد ﴿اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ﴾ وعرفوا إعجازها بقلوبهم ، وإنما كان جحودهم بها
__________________
(١) الأعراف : ٧ / ٢٣.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٣٢٣ ، والآية من سورة القصص : ٢٨ / ١٦.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٢٤.
(٤) معاني الأخبار : ١٧٣ / ١ ، تفسير الصافي ٤ : ٥٩.
(٥) مجمع البيان ٧ : ٣٣٢.