كنصل السيف فيه الشّمراخ الذي هو للنخيل كالعنقود للكرم ﴿هَضِيمٌ﴾ وداخل بعضها في بعض ، أو متدلّ لثقل الحمل ، أو لطيف وهو كناية عن لطافة ثمره ، لأنّه كلّما لطف الثمر لطف طلعه ، أو كناية عن كون النخل انثى لأنّ طلع الذّكر صلب غليظ ، كذا قيل (١) .
وقيل : إنّ الطّلع زهرة النخل (٢) ، وقيل : إنّه أطيب الرطب (٣) ، وإنّما خصّ النّخل بالذكر مع دخولها في البساتين للتنبيه على فضلها.
﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ لسكونتكم ﴿مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً﴾ ومساكن حال كونكم ﴿فارِهِينَ﴾ ومتنشّطين وطيبي القلوب بالنّحت ، أو حاذقين فيه ، فاذا علمتم أنّ الله هو الذي أنعم عليكم بتلك النّعم ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ بترك الشّرك وطول الأمل ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ في أحكامي التي جئتكم بها من الله ﴿وَلا تُطِيعُوا﴾ وتتّبعوا ﴿أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾ والمفرّطين في اتباع الشهوات ، المتجاوزين عن الحدّ في حبّ اللذات ، وهم ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي﴾ هذه ﴿الْأَرْضِ﴾ التي تسكنونها باشاعة الكفر والعصيان وإضلال الناس وصدّهم عن الحقّ ﴿وَلا يُصْلِحُونَ﴾ أمرا من الامور ، ولا يصدر منهم شيء من الخير ، بل كلّما يصدر منهم محض الشرّ وشرّ محض ، فأجابه قومه و ﴿قالُوا﴾ ردا عليه وتكذيبا له في دعواه الرسالة : يا صالح ﴿إِنَّما أَنْتَ﴾ أحد ﴿مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ والمغلوبين على عقولهم بكثرة سحر السحرة بهم لما نرى منك من كلمات لا يتفوّه بها عاقل ، أو المراد إنّما أنت من الذين لهم بطون يأكلون ويشربون ﴿ما أَنْتَ﴾ إذن ﴿إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا﴾ لا مزيّة لك علينا ، ولو كنت ملكا لكنّا نقبل دعواك بلا آية ولا بيّنة ، ولكن لمّا تحقّق أنّك بشر ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ﴾ وحجّة واضحة الدلالة على صحّة دعواك ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فيه وقد مرّ تفصيل اقتراحهم الناقة في الأعراف (٤) .
﴿قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ
عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ (١٥٥) و (١٥٩)﴾
فلمّا خرجت الناقة من الصخرة ، وبركت بين أيديهم ﴿قالَ﴾ صالح يا قوم ﴿هذِهِ﴾ الناقة التي ترونها ﴿ناقَةٌ﴾ اقترحتموها عليّ ، وليكن ﴿لَها شِرْبٌ﴾ ونصيب من الماء في يوم معين ﴿وَلَكُمْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٩٨.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٢٩٨.
(٣) الكشاف ٣ / ٣٢٨ ، الدر المنثور ٦ / ٣١٥.
(٤) راجع تفسير الآية (٧٣) وما بعدها من سورة الأعراف.