قادر على أن يهلككم من جانب التحت ، بأن يغيّبكم في التراب ، أو من جانب الفوق بأن يمطر عليكم الحجارة.
﴿أَمْ أَمِنْتُمْ﴾ بعد خروجكم ونجاتكم من البحر من ﴿أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ﴾ بسبب إيجاد الحوائج المهمّة التي لا يمكنكم صرف النظر عنها ﴿تارَةً﴾ ومرّة ﴿أُخْرى﴾ بعد المرّة الاولى ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ﴾ وأنتم في البحر ﴿قاصِفاً﴾ وشديدا ﴿مِنَ الرِّيحِ﴾ فيكسر فلككم ﴿فَيُغْرِقَكُمْ﴾ في البحر جزاء ﴿بِما كَفَرْتُمْ﴾ بالله وبنعمة إنجائه الأول ، وأشركتم به غيره في العبادة ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ﴾ بسبب إغراقكم ، ولا تألفوا ﴿عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً﴾ وحاميا يتبعنا بمطالبة العلّة والسبب.
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ
وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد المنّة بتسهيل سير الانسان في البحر ، وحفظه من المهالك ، وكفرانهم تلك النعمة ، بالغ في إظهار منّته عليهم بعد إهانة عدوهم إبليس بإكرامهم وتفضيلهم بالنّعم بقوله : ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ﴾ وأعلينا شأنهم كرامة وتعلية شأن شاملة لجميع أفرادهم برّهم وفاجرهم ، حيث خصصناهم بأحسن الصّور ، وأشرف الأرواح ، واعتدال القامة ، والأخذ باليدين ، والأكل بالأصابع ، وزينة اللحى والذوائب ، وقابلية الكتابة ، والتكلّم باللسان ، وتعلّم الصنائع والحرف والعلوم ، ووجدان العقل المدرك للكليات ، والمميّز بين الخير والشرّ ، وملاحظة عواقب الامور ، وغير ذلك من الخصائص.
﴿وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ﴾ على الحيوانات الحمولة ﴿وَ﴾ في ﴿الْبَحْرِ﴾ على السّفن والزوارق ﴿وَرَزَقْناهُمْ﴾ وأطعمناهم ﴿مِنَ﴾ أنواع النّعم ﴿الطَّيِّباتِ﴾ والمستلذّات ممّا يوجد بصنعهم وبغير صنعهم ﴿وَفَضَّلْناهُمْ﴾ بالمعارف الالهية والأخلاق النفسانية ﴿عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا﴾ في عالم الوجود ، وهم ما عدا الملائكة ، كما عن ابن عبّاس (١) . أو ماعدا العقول المجرّدة والأنوار الاسفهبدية (٢) ، أو ما عدا آدم وحواء ﴿تَفْضِيلاً﴾ عظيما ظاهرا.
عن الصادق عليهالسلام : « يقول فضلّنا بني آدم على سائر الخلق ﴿وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ يقول: على الرّطب واليابس ﴿وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ يقول : من طيّبات الثّمار كلّها ﴿وَفَضَّلْناهُمْ﴾ يقول : ما من دابة ولا طائر إلّا وهي تأكل وتشرب بفمها ، لا ترفع بيدها إلى فيها طعاما ولا شرابا ، إلّا ابن آدم
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٦.
(٢) الاسفهبد : معرب كلمة ( اسپهبد ) فارسية ، لها معان عدة ، ولعلّ المراد هنا النفس الناطقة ، أو القوة المتكلمة في الإنسان ، كما عرّفها الفلاسفة الاشراقيون من الفرس. راجع : لغت نامة دهخدا ٦ : ٢٠٨٣ و٢٣٣١.