الناس بك ، فاذا ظهر كذبهما كنت معذورا فيما فعلت بهما من الحبس والقتل ﴿وَابْعَثْ﴾ وارسل الشّرط ﴿فِي الْمَدائِنِ﴾ قيل : يعني مدائن الصعيد في نواحي مصر (١) حال كونهم ﴿حاشِرِينَ﴾ وجامعين الناس حتى ﴿يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ في فنّ السحر يفضلون عليه فيه.
روي أنّ فرعون أراد قتل موسى ، ولم يكن يصل إليه ، فقالوا له : لا تفعل فانّك إن قتلته أدخلت على الناس في أمره شبهه ، ولكن أرجه وأخاه إلى أن تحشر السحرة ليقاوموه ، فلا تثبت له عليك حجّة ، ثمّ أشاروا عليه بإنفاذ حاشرين يحشرون ويجمعون السّحرة ظنّا منهم بأنّهم إذا كثروا غلبوه وكشفوا حاله وعارضوا قوله : ﴿إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ﴾ بقولهم : ﴿بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ﴾ [ فجاءوا بكلمة الإحاطة وبصيغة المبالغة ] ليطيّبوا قلبه ، وليسكّنوا قلقه (٢) .
فبعث فرعون الشّرط إلى المدائن ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ﴾ وهم اثنان وسبعون ، أو سبعون ألفا ، على اختلاف فيه في الإسكندرية على ما قيل (٣)﴿لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ وزمان معين لحضورهم ، وهو وقت الضحى ، ويوم معين وهو يوم الزينة.
﴿وَقِيلَ﴾ من قبل فرعون ﴿لِلنَّاسِ﴾ من أهالي مصر وغيره ممّن يمكن حضوره : ﴿هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾ في مجمع موسى والسّحرة ، ولتشاهدوا تعارضهم وتغالبهم ؟ وإنما قالوا ذلك حثّا على مبادرتهم إليه.
﴿لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ * فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ
أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ * قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ
الْمُقَرَّبِينَ (٤٠) و (٤٢)﴾
ثمّ بيّنوا الغرض من الاجتماع بقولهم : ﴿لَعَلَّنا﴾ ورجاء منّا أن ﴿نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ﴾ في دينهم ﴿إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ﴾ على موسى في السّحر.
﴿فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ﴾ إلى باب فرعون ، وأذن لهم في الدخول عليه ، واستمال قلوبهم ، وحثّهم على معارضة موسى ﴿قالُوا لِفِرْعَوْنَ﴾ يا فرعون ﴿أَ إِنَّ لَنا﴾ عندك ﴿لَأَجْراً﴾ جزيلا وجعلا عظيما من المال أو الجاه ﴿إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ﴾ على موسى ؟ ﴿قالَ﴾ فرعون : ﴿نَعَمْ﴾ لكم عندي أجر عظيم من المال ﴿وَإِنَّكُمْ﴾ مع ذلك ﴿إِذاً﴾ وحين غلبتموه ﴿لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ عندي.
قيل : وعدهم أن يكونوا أول من يدخل عليه وآخر من يخرج من عنده ، وكان ذلك أعظم الشأن
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧١.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٣٢.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٢.