الله من الإنجاء من فرعون والغرق وغيرهما ، وطوله كناية عن نسيانه ﴿أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَ﴾ وينزل ، أو يجب ﴿عَلَيْكُمْ غَضَبٌ﴾ شديد وعذاب عظيم ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ ومالك أمركم اللّطيف بكم ؟ ﴿فَأَخْلَفْتُمْ﴾ لذلك ﴿مَوْعِدِي﴾ وعهدي عليكم بالثّبات على ما أمرتكم به إلى أن أرجع من ميقات ربّي.
قال العلماء : إنّ الغضب من صفات أفعاله تعالى ، لا من صفات ذاته ؛ لأنّ صفات الذات لا تحلل ولا تنزل في الأجسام (١) .
عن الباقر عليهالسلام ، قال في تفسير الغضب : « من زعم أنّ الله عزوجل زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق ، إنّ الله عزوجل لا يستفزّه شيء ولا يغيّره شيء » (٢) .
ثمّ أنّ الّذين عبدوا العجل من بني إسرائيل اعتذروا إلى موسى عليهالسلام من فعلهم الشنيع و﴿قالُوا :﴾ يا موسى ﴿ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ﴾ وما نقضنا عهدك علينا بالثبات على ما أمرتنا به ﴿بِمَلْكِنا﴾ واختيارنا وميل قلوبنا ﴿وَلكِنَّا﴾ غلبنا من كيد السامرىّ إذ ﴿حُمِّلْنا أَوْزاراً﴾ وأحمالا ثقيلة ﴿مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ وحليّ القبط التي استعرناها منهم بأن جعلها في عهدتنا إلى أن نؤدّيها إلى حيث تأمرنا ، أو بأن ألزمنا فيه حكم الغنيمة ﴿فَقَذَفْناها﴾ وطرحناها في الحفيرة وفي النار تخلّصا من ذنبها ﴿فَكَذلِكَ﴾ القذف والإلقاء ﴿أَلْقَى السَّامِرِيُ﴾ ما معه من الحليّ فيها.
﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ * أَ فَلا
يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً * وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ
قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٨٨) و (٩٠)﴾
ثمّ حكى سبحانه فتنة السّامري لزيادة تقريرها وترتيب الإنكار والتوبيخ عليها بقوله : ﴿فَأَخْرَجَ﴾ السّامريّ من ذلك الحليّ الّذي جمعه بنو إسرائيل ﴿لَهُمْ عِجْلاً﴾ وولد بقرة ، وكان ﴿جَسَداً﴾ ذا دم ولحم وعظم ، أو جسدا من ذهب ﴿لَهُ خُوارٌ﴾ وصوت عجل.
عن ابن عبّاس : أنّ هارون مرّ بالسّامريّ وهو يصنع العجل فقال له : ما تصنع ؟ قال : أصنع ما ينفع ولا يضرّ فادع لي ، فقال : اللهمّ أعطه ما سأل. فلمّا مضى هارون قال السامريّ : اللهمّ إنّي أسألك أن يخور ، فخار (٣) . فسجد له السامريّ والمفتتنون به ﴿فَقالُوا﴾ لغاية بلادتهم ، أو اعتقادهم حلول الله فيه لغاية
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٠٢.
(٢) التوحيد : ١٦٨ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٤.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٠٤.