حمقهم : ﴿هذا﴾ العجل ﴿إِلهُكُمْ﴾ يا بني إسرائيل ﴿وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾ موسى عليهالسلام أنّ هذا إلهه فذهب يطلبه في الطّور. وقيل : إنّه ردّ على السامريّ ، وأنّ الإله لا يحلّ في شيء ولا يحلّ فيه شيء.
ثمّ استدلّ سبحانه على بطلان دعوى المفتتنين به بقوله : ﴿أَ فَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ﴾ هذا العجل ﴿إِلَيْهِمْ قَوْلاً﴾ ولا يردّ عليهم جوابا إذا سألوه ﴿وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً﴾ إذا طلبوا منه دفع ضرر أو جلب نفع ، ومن المعلوم أنّ من لا يمكنه التكلّم ولا يقدر على الضرّ والنفع ، لا يمكن أن يكون إلها.
ثمّ حكى سبحانه نصح هارون لهم في بدو ضلالتهم وعبادتهم العجل توضيحا لعتوّهم وحمقهم بقوله : ﴿وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ﴾ نصحا وشفقة عليهم ، وتنبيها لهم على خطئهم ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي بدو إقامتهم على عبادة العجل ، أو قبل رجوع موسى عليهالسلام إليهم ، أو قبل قول السامريّ : هذا إلهكم.
قيل : إنّه عليهالسلام لمّا رأى العجل خطر في قلبه افتتان القوم به ، فبادر في تحذيرهم (١) عن عبادته ، وقال : ﴿يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ﴾ وأضللتم ، أو امتحنتم من قبل الله ﴿بِهِ﴾ وبسببه ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ﴾ والإله المنعم عليكم هو ﴿الرَّحْمنُ﴾ برحمته الواسعة لا العجل الّذي لا يضرّ ولا ينفع ، فإذا كان الأمر كذلك ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ في الثّبات على التّوحيد ودين الحقّ ﴿وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ هذا واتركوا عبادة من عرفتم شأنه.
نقل كلام للفخر الرازي وردّه
قال الفخر الرازي : واعلم أنّ هارون سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه ، لأنّه زجرهم عن الباطل أوّلا بقوله : ﴿إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ ،﴾ ثمّ دعاهم إلى معرفة الله ثانيا بقوله : ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ﴾ ثمّ دعاهم إلى معرفة النبيّ ثالثا بقوله : ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾ ثمّ دعاهم إلى الشرائع رابعا بقوله : ﴿وَأَطِيعُوا أَمْرِي.﴾
أقول : لا يخفى ما في كلامه من الوهن. ثمّ قال : هاهنا دقيقة ، وهي أنّ الرّافضة تمسّكوا بقوله صلىاللهعليهوآله لعليّ : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » .
ثمّ أنّ هارون ما منعته التقيّة في مثل هذا الجمع بل صعد المنبر ، وصرّح بالحقّ ، ودعا النّاس إلى متابعة نفسه والمنع من متابعة غيره ، فلو كانت أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله على الخطأ ، لكان يجب على علي أن يفعل ما فعله هارون ، وأن يصعد المنبر من غير تقية ولا خوف ، وأن يقول : فاتّبعوني وأطيعوا أمري ، فلمّا لم يفعل ذلك علمنا أنّ الامّة كانوا على الصّواب (٢) ، انتهى كلامه السخيف بطوله.
وفيه من الفساد ما لا يخفى ، فإنّ بين النبيّ المؤسّس للشّرع والإمام الحافظ له المجري لقوانينه
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٥٦ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٣٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٠٦.