ثمّ وصف سبحانه ذلك اليوم بقوله : ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ﴾ طيّا ﴿كَطَيِ﴾ الطاوي ﴿السِّجِلِ﴾ والطّومار الموضوع ﴿لِلْكُتُبِ﴾ وضبط المعاني الكثيرة فيه ، قيل : إنّ معنى طيّ السّجلّ للكتاب كونه ساترا للكتابة (١) التي فيه ، ومخفيا لها ، ونشره : كشفه (٢) .
وعن ابن عباس : السجلّ اسم ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه (٣) .
ورواه بعض العامة عن أمير المؤمنين (٤) .
وقيل : معنى طيّها إفناؤها فتتحوّل دخانا (٥) .
ثمّ وصف اليوم بإعادة الخلق فيه بقوله : ﴿كَما بَدَأْنا﴾ وابتدأنا ﴿أَوَّلَ خَلْقٍ﴾ للإنسان في الدنيا ﴿نُعِيدُهُ﴾ في الآخرة ، ونخلقه ثانيا للحشر والحساب ، وقد وعدنا إعادته ﴿وَعْداً﴾ حتميّا واجب الإنجاز ﴿عَلَيْنا﴾ بمقتضى الحكمة البالغة ، ولذا ﴿إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ﴾ للوعد ومنجّزين له لا محالة.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « تحشرون عراة حفاة ﴿كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ﴾(٦) .
أقول : أي كما خلقتم في الدنيا عراة حفاة.
ثمّ أنّه تعالى بعد البشارة بحسن حال المؤمنين في الآخرة ، بشّر بحسن مآل أمرهم في الدنيا بقوله :
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا﴾ وأثبتنا ﴿فِي الزَّبُورِ﴾ الذي انزل على داود ، أو في الكتب السماوية ، أو في القرآن ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ ما أثبتناه في ﴿الذِّكْرِ﴾ واللّوح المحفوظ ، أو في التوراة ﴿أَنَّ الْأَرْضَ﴾ كلّها ، أو الأرض المقدّسة ، أو أرض الجنّة ﴿يَرِثُها﴾ ويتسلّط عليها ﴿عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ في زمان الرجعة وبعد ظهور الدولة الحقّة ، أو في الآخرة.
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية : ما الزّبور ، وما الذّكر ؟ قال : « الذّكر عند الله ، والزّبور الذي أنزل على داود ، وكل كتاب انزل فهو عند أهل العلم ، ونحن هم » (٧) .
وعن الباقر عليهالسلام في قوله : ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ،﴾ قال : « هم أصحاب المهدي عليهالسلام في آخر الزمان » (٨) .
﴿إِنَّ فِي هذا﴾ المذكور من الأخبار والمواعظ والله ﴿لَبَلاغاً﴾ وكفاية في الهداية والتنبيه ، وما ينال به البغية والمطلوب ﴿لِقَوْمٍ عابِدِينَ﴾ والعالمين العاملين.
﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)﴾
__________________
(١) في النسخة : لكتابة.
(٢-٤) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٢٨.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٧٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٧.
(٦) مجمع البيان ٧ : ١٠٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٧.
(٧) الكافي ١ : ١٧٦ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٧.
(٨) مجمع البيان ، ٧ : ١٠٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٧.