أفسد مذهبا ، هم أم محمّد والمؤمنون به الذين يدّعون أنّهم في ضلال عن الحقّ ؟
وفيه دلالة على أنهم لم يكونوا على حجّة في مذهبهم الباطل ، وإنما عارضوه بمحض الجحود والتقليد واللّجاج الذي هو دأب الجهّال.
﴿أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ
يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٣) و (٤٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الحكم بضلالهم ، وتهديدهم بالعذاب ، زيّف مذهبهم بأنّه في الحقيقة عبادة هوى أنفسهم وشهوتهم لا إطاعة حكم عقولهم بقوله : ﴿أَ رَأَيْتَ﴾ يا محمّد ﴿مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ﴾ ومعبوده ﴿هَواهُ﴾ وشهوة نفسه ، وهل تعجّبت من حمق من بني أمر دينه على ميل طبعه ، فكلّما دعاه هواه إليه انقاد له ، سواء منع عنه العقل السليم أم وافقه.
قيل : إنّ قوما من العرب كانوا يعبدون الحجر ، وإذا رأوا حجرا أحسن شكلا ولونا من غيره سجدوا له (١) .
وعن سعيد بن جبير : كان الرجل من المشركين يعبد الصنم ، فاذا رأى أحسن منه رماه واتّخذ الآخر وعبده (٢) .
وعن ابن عباس : الهوى إله يعبد (٣) .
وفي الحديث : « ما عبد إله أبغض على الله من الهوى » (٤) .
ثمّ آيس سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله عن هدايتهم لأن لا يتعب نفسه الشريفة في دعوتهم بقوله : ﴿أَ فَأَنْتَ﴾ يا محمد ، ببذل جهدك في دعوتهم ﴿تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً﴾ وحفيظا تحفظهم من اتّباع الهوى وعبادة الأصنام ، لا لا تكون حافظا لهم إلّا بالإجبار الذي ليس لك ، بل إنّما أنت منذر ، وقد قضيت ما عليك.
وقيل : إنّ المراد إنكار كونه صلىاللهعليهوآله حفيظا لهم من العذاب بإتعاب نفسه في دعوتهم (٥) .
ثمّ نفى سبحانه عنهم أهلية الهداية بقوله : ﴿أَمْ تَحْسَبُ﴾ وتتوهّم ﴿أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ﴾ حججك وإنذارك ومواعظك ﴿أَوْ﴾ إذا سمعوها ﴿يَعْقِلُونَ﴾ ويتفكّرون فيها ، ولذا تطمع في إيمانهم ، وتهتّم في دعوتهم ، لا تتوهّم ذلك ﴿إِنْ هُمْ﴾ وما هؤلاء ﴿إِلَّا كَالْأَنْعامِ﴾ والبهائم في العزاء من السمع والعقل ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُ﴾ وأبعد من البهائم ﴿سَبِيلاً﴾ وطريقا الى الرشاد ، لأنّها تنقاد لمن يقودها إلى ما فيه خيرها ، وتطلب نفعها ، وتجتنب عمّا فيه ضرّها ، وتعرف من يحسن إليها مع عرائها عن العقل ، وهم
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢١٧.
(٢و٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٨٦.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٢١٧.
(٥) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٢١.