ثمّ لمّا سألوا النبي صلىاللهعليهوآله تفجير العيون لهم وتكثير أموالهم ، ذمّهم سبحانه بأن كثرة الأموال لا تزيدهم إلّا بخلا بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لهؤلاء المقترحين عليك المنكرين للمعاد : ﴿لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ﴾ على سبيل الفرض ﴿خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾ ورزقه الذي يقسمه بين الموجودات ﴿إِذاً﴾ والله ﴿لَأَمْسَكْتُمْ﴾ عن بذل شيء منه وبخلتم ﴿خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ﴾ ومخافة النّفاد لطول أملكم ، وتوهّم بقائكم وخلودكم في الدنيا وغفلتكم عن الموت ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ﴾ لجهله بفنائه وتوهّم دوام حاجته ﴿قَتُوراً﴾ ومبالغا في البخل والضّنّة.
القمي في هذه الآية ، قال : لو كانت الامور (١) بيد الناس ، لما أعطوا شيئا مخافة الفناء (٢)﴿وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً﴾ أي بخيلا (٣) .
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ
فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً * قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً * فَأَرادَ أَنْ
يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً * وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي
إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠١) و (١٠٤)﴾
ثمّ لما سأل المشركون من النبي صلىاللهعليهوآله معجزات عديدة اقتراحا وتعنّتا ، سلّى نبيّه صلىاللهعليهوآله وبالغ في ردّ المشركين ببيان عدم إيمان معاندي موسى مع رؤيتهم المعجزات العظيمة منه بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ ومعجزات قاهرات ﴿فَسْئَلْ﴾ يا محمّد في حضور المشركين ﴿بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ عن ذلك حتى يصدّقوك ، ويعلم المشركون صدق قولك بتصديقهم إياك ، وشهادتهم بصحة خبرك ﴿إِذْ﴾ من المعلوم أن موسى ﴿جاءَهُمْ﴾ بتلك الآيات وهم مطّلعون عليها.
وقيل : يعني سل مؤمني بني إسرائيل كعبد الله بن سلّام وأضرابه لتزداد [ يقينا وطمأنينة ، أو ليظهر صدقك ](٤) ، أو المراد فقلنا لموسى اسأل من فرعون أن يرسل معك بني إسرائيل (٥) ، أو المراد فأسأل يا محمّد من بني إسرائيل عمّا جرى بين موسى وفرعون.
قيل : إنها صيرورة العصا ثعبانا ، واليد البيضاء ، والطوفان ، والضّفادع ، والجراد ، والقمّل ، والدم ، والطّمس (٦) .
__________________
(١) في المصدر : الأموال.
(٢) في المصدر : النفاد.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٢٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٤.
(٤) أثبتناه من تفسير أبي السعود ٥ : ١٩٨.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٠٨.
(٦) تفسير الرازي ٢١ : ٦٤ ، تفسير البيضاوي ١ : ٥٨٣ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٩٨ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٠٨ ، وقد ذكر في المتن ثمان آيات.