﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً *
وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي
صَغِيراً (٢٣) و (٢٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد النهي عن اعتقاد الوهية غيره ، أمر بتخصيص العبادة به بقوله : ﴿وَقَضى رَبُّكَ﴾ وحكم حكما بتيّا ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا﴾ أيّها الناس شيئا ﴿إِلَّا إِيَّاهُ﴾ لاختصاص استحقاق العبادة به ذاتا ونعمة ﴿وَ﴾ بأن تحسنوا ﴿بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ كاملا لكونهما بعد الله سبحانه أعظم إحسانا إليكم ، وأكثر حقّا عليكم ، حيث إنّهما من مبادئ وجودكم ، ومتكفّل تربيتكم وحفظكم ومعاشكم بلا توقّع عوض منكم.
ثمّ أنّه تعالى بعد الأمر بالاحسان إليهما ، نهى عن الإساءة إليهما بقوله : ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَ﴾ وإن يصلن ﴿عِنْدَكَ﴾ وفي كنفك وكفالتك ﴿الْكِبَرَ﴾ في السّنّ والضّعف في القوى الموجبين لضيق صدرهما وثقل مؤنتهما وكثرة زحماتهما ﴿أَحَدُهُما﴾ أبا أم أمّا ﴿أَوْ كِلاهُما﴾ وإن أضجراك بما تستقذر منهما وتشتغل من مؤنتهما وخدمتهما ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما﴾ في حال الاجتماع ، أو لأحدهما حال الانفراد ﴿أُفٍ﴾ ولا تظهر عندهما الانضجار من نفسك.
عن الصادق عليهالسلام : « إن أضجراك فلا تقل لهما أفّ » (١) .
وعنه عليهالسلام : « لو علم الله شيئا أدنى من الافّ لنهى عنه ، وهو من أدنى العقوق » (٢) .
قيل : يعني لا تتقذّر منهما شيئا ، كما لم يتقذّرا منك حين كنت تخرأ وتبول في حجرهما (٣) .
وقال مجاهد : يعني إذا وجدت منهما رائحة تؤذيك فلا تقل لهما أفّ (٤) .
﴿وَلا تَنْهَرْهُما﴾ ولا تضجر قلوبهما بكلمة غير ملائمة لطبعهما من ردّ أو تكذيب. عن الصادق عليهالسلام : « ولا تنهرهما ، إن ضرباك » (٥) .
وقيل : إنّ المعنى لا تنههما من شيء أراداه (٦) .
ثمّ أنّه تعالى بعد النهي عن استقبالهما بكلمة مؤذية لهما ، أمر بأن يواجههما بالكلام الطيب بقوله :
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ٤٢ / ٢٤٨٣ ، الكافي ٢ : ١٢٦ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٨٥.
(٢) تفسير العياشي ٣ : ٤٢ / ٢٤٨٢ ، الكافي ٢ : ٢٦١ / ٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٨٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ١٨٩.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ١٨٩.
(٥) تفسير العياشي ٣ : ٤٢ / ٢٤٨٣ ، الكافي ٢ : ١٢٦ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٨٥.
(٦) مجمع البيان ٦ : ٦٣١ ، جوامع الجامع : ٢٥٤ ، وفيهما : لا تمتنع من شيء أراداه منك.