ثمّ استدلّ سبحانه على علمه بأعمالهم بقوله : ﴿أَ لَمْ تَعْلَمْ﴾ أيّها الإنسان بشهادة عقلك ﴿أَنَّ اللهَ﴾ الخالق لجميع الأشياء ﴿يَعْلَمُ﴾ لا محالة ﴿ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ لعدم إمكان خفاء مخلوقاته عليه ﴿إِنَّ ذلِكَ﴾ المذكور ممّا في السّماء والأرض مثبوت ﴿فِي كِتابٍ﴾ مبين ولوح محفوظ من قبل أن يبرأه ويخلقه ﴿إِنَّ ذلِكَ﴾ المذكور من إحاطة علمه بالموجودات وثبتها في اللّوح ﴿عَلَى اللهِ﴾ الخالق لها سهل ﴿يَسِيرٌ﴾ بحيث لا يحتاج إلى إرادته.
قيل : فائدة ثبت الموجودات في الكتاب نظر الملائكة فيه ، فإذا رأوه مطابقا للموجودات يزيد معرفتهم بسعة علمه تعالى (١) .
وقيل : إنّ المراد بالكتاب حفظه تعالى لجميع الأشياء (٢) ، ومعنى قوله : ﴿إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ﴾ إنّه محفوظ عنده.
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ
مِنْ نَصِيرٍ * وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا
الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ
ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧١) و (٧٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان نعمه وكمال قدرته وعلمه ، وبّخ المشركين على عبادة الأصنام بقوله : ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً﴾ وحجّة من السّمع والعقل ﴿وَما لَيْسَ لَهُمْ﴾ بأحد الطّرق الموجبة للعلم ﴿بِهِ﴾ وبجواز عبادته ﴿عِلْمٌ﴾ فإذا لم يستند مذهب الشّرك إلى دليل ، ولم يكن التزامهم به من علم ، فيكون تقليدا ، أو جهلا واتّباعا للهوى ، وهذا من أقوى الدّليل على بطلانه ، ومن المعلوم أنّ الالتزام به عين الظّلم على النّفس ﴿وَما لِلظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم باختيار الشّرك ﴿مِنْ نَصِيرٍ﴾ ومدافع ينصرهم ويدفع العذاب عنهم.
وقيل : يعني مالهم ناصر بالحجّة ، لأنّ الحجّة لا تكون إلّا للحقّ (٣) .
ثمّ ذمّهم سبحانه على شدّة عنادهم للحقّ بقوله : ﴿وَإِذا تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْهِمْ آياتُنا﴾ القرآنيّة حال كونها ﴿بَيِّناتٍ﴾ وواضحات الدّلالات على أنّها كلام الله ﴿تَعْرِفُ﴾ وتتبيّن ﴿فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ﴾ والجحود بكونها من الله. أو تعرف في وجوههم التجبّر والتّرفّع ، كما عن ابن عباس (٤) . أو
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٦٦.
(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ٦٦.
(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ٦٧.