﴿يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ﴾ من الشّفعاء واحدا ﴿إِلَّا مَنْ أَذِنَ﴾ في أن يشفع ﴿لَهُ الرَّحْمنُ﴾ وأجاز ﴿وَرَضِيَ لَهُ﴾ ولأجله ﴿قَوْلاً﴾ من الشّفيع في حقّه ، أو المراد إلّا شفاعة من أذن [ له ] الله في الشفاعة ، ورضي للشّافع قولا لمكانته عند الله ، فإنّ الشفاعة منصب عظيم لا يحصل إلّا لمن كان مأذونا فيها ومرضيّا عند الله.
﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ
الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا
يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٠) و (١١٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان اشتراط قبول شفاعة الشّافع بكونه مأذونا فيها ، أو كون المشفوع له مرضيّا عند الله ، بيّن إحاطة علمه تعالى بأحوال العباد بقوله : ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ وما تقدّمهم من الأحوال ، أو من امور الآخرة ﴿وَما خَلْفَهُمْ﴾ وما بعدهم ممّا يستقبلونه ، أو ما وراءهم من امور الدنيا.
وقيل : ما بين أيديهم من أمر الدنيا ، وما خلفهم من أمر الآخرة والثواب والعقاب (١) .
وقيل : يعني يعلم ما مضى من امور الدنيا ، وما بقي منها ، ومتى تكون القيامة (٢) . ﴿وَ﴾ هم ﴿لا يُحِيطُونَ بِهِ﴾ تعالى ، أو بما بين أيديهم وبما خلفهم ﴿عِلْماً.﴾
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « لا يحيط الخلائق بالله عزوجل علما ، إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب غطاء ، فلا فهم يناله بالكيف ، ولا قلب يثبته بالحدّ فلا نصفه إلّا كما وصف نفسه :
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾(٣) الأوّل ، والآخر ، والظّاهر ، والباطن ، والخالق ، البارئ ، المصوّر ، خلق الأشياء وليس من الأشياء شىء مثله (٤) .
﴿وَ﴾ يومئذ ﴿عَنَتِ﴾ وذلّت ﴿الْوُجُوهُ﴾ وصار النّاس كالأسارى (٥)﴿لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ والموجد المؤثّر الدّائم ، فلا يمكنهم الامتناع ممّا ينزل بهم من المجازاة ، ولا يقدرون على معارضة خالقهم كما كانوا يتخيّلون لأنفسهم الاستقلال في الامور في الدنيا ﴿وَقَدْ خابَ﴾ وحرم من الثواب ونيل النّعمة والراحة ﴿مَنْ حَمَلَ﴾ وارتكب ﴿ظُلْماً﴾ وعصيانا.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « اطلبوا اسم الله الأعظم في هذه السّور الثلاث : البقرة ، وآل عمران ، وطه»(٦) .
قال الرازي : فوجدنا المشترك في تلك السور ﴿اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾(٧) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١١٩.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١١٩.
(٣) الشورى : ٤٢ / ١١.
(٤) التوحيد : ٢٦٣ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢١.
(٥) في النسخة : كالأسير.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٣١.
(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢٠.