واهتزّت بحيث كان موسى عليهالسلام ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ﴾ ويتوهّم ﴿مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها﴾ حيّات ﴿تَسْعى﴾ وتمشي بسرعة على الأرض ﴿فَأَوْجَسَ﴾ وأضمر ﴿فِي نَفْسِهِ﴾ بمقتضى البشرية ﴿خِيفَةً مُوسى﴾ من مفاجأة رؤية الحيّات المخيّلة وضررها.
فلمّا خاف ﴿قُلْنا﴾ له : ﴿لا تَخَفْ﴾ ممّا رأيت من السّحر ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى﴾ منهم والغالب القاهر عليهم.
وقيل : إنّ موسى عليهالسلام خاف من أن يظنّ الناس أنّ السّحرة ساووا موسى عليهالسلام (١) ، فينصرفوا قبل أن يشاهدوا معجزته ، فيدوموا على باطلهم.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « لم يوجس موسى خيفة على نفسه ، وإنّما أشفق من غلبة الجهّال ودول الضّلال » (٢) .
﴿وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ
حَيْثُ أَتى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى * قالَ
آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً
وَأَبْقى * قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما
أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا
وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٦٩) و (٧٣)﴾
ثمّ أمر الله موسى عليهالسلام بمعارضة السّحرة بقوله : ﴿وَأَلْقِ﴾ أنت أيضا ﴿ما فِي يَمِينِكَ﴾ من الخشب اليابس الصغير ، فإنّها بقدرة الله ﴿تَلْقَفْ﴾ وتبتلع بسرعة ﴿ما صَنَعُوا﴾ ه وموّهوه من الحبال المحشوّة بالزّئبق والعصيّ المربوطة بها ﴿إِنَّما﴾ أصنع معجزة باهرة ، وما ﴿صَنَعُوا﴾ ه وموّهوه وزوّروه (٣)﴿كَيْدُ ساحِرٍ﴾ وحيلته التي لا حقيقة لها ﴿وَلا يُفْلِحُ﴾ ولا يفوز ﴿السَّاحِرُ﴾ بمطلوبه ولا يدرك بغيته ﴿حَيْثُ أَتى﴾ من الأرض وعمل فيها بالسّحر ، أو حيث أتى مصنوعي وكيدي ؛ لأنّ صنعي حقّ وكيدي متين.
عن ابن عبّاس : ألقوا حبالهم وعصيّهم ميلا من هذا الجانب ، وميلا من هذا الجانب ، فخيّل إلى
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٨٤.
(٢) نهج البلاغة : ٥١ الخطبة ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١١ ، وفي النسخة : وذوي الضلال.
(٣) في النسخة : ورودوه ، راجع : تفسير روح البيان ٥ : ٤٠٣.