الكراهيّة للقرآن بحيث ﴿يَكادُونَ يَسْطُونَ﴾ ويبطشون ﴿بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ ويثبون عليهم من شدّة غيظهم وانضجارهم من تلاوتها ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ردّا عليهم وإقناطا لهم ممّا يقصدونه من الإضرار بالتّالين : ﴿أَ فَأُنَبِّئُكُمْ﴾ واخبركم ﴿بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ﴾ الذي تهمّون به من البطش والوثوب على تالي القرآن ، أو الكراهيّة والضّجر الذي يصيبكم باستماع ما تلي عليكم ، وهو ﴿النَّارُ﴾ التي تصلونها بسوء فعالكم ، وهي التي ﴿وَعَدَهَا﴾ الله ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إذا ماتوا على كفرهم ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ النّار وساء المرجع هي.
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ
يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان عدم الحجّة على جواز عبادة الأصنام ، أقام الحجّة على عدم جوازها بقوله: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ﴾ بديع وذكر لكم برهان قاطع على عدم جواز عبادة الأصنام ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ﴾ وتدبّروا فيه حقّ التدبّر ﴿إِنَ﴾ الأصنام ﴿الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ وتعبدون ﴿مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً﴾ مع غاية صغره وضعفه ، بل لن يقدروا على إيجاد جزء منه ﴿وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ وتظاهروا عليه ، فكيف بحال انفراد كلّ فرد ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ﴾ ويجتذب منهم ﴿شَيْئاً﴾ قليلا أو جليلا ﴿لا يَسْتَنْقِذُوهُ﴾ ولا يستردّوه ﴿مِنْهُ﴾ مع كمال ضعفه ﴿ضَعُفَ﴾ عابد الصّنم ﴿الطَّالِبُ﴾ منه النّفع والشّفاعة ﴿وَ﴾ الصّنم ﴿الْمَطْلُوبُ﴾ منه العون ، أو ضعف الذّباب الطالب لما يسلبه من الصّنم ، والصّنم المطلوب منه.
قيل : إنّ المشركين كانوا يطلون أصنامهم بالعسل والخلوق ، ويسدّون أبواب بيوت الأصنام عليها ، ثمّ يدخل الذّباب عليها ويأكل جميع الطّيب والعسل الذي عليها ، ثمّ يجيئون بعد أيّام ويفتحون الأبواب ، فإذا لم يجدوا أثر العسل والطّيب عليها فرحوا (١) .
وقيل : إنّ الصّنم كالطّالب لخلق الذّباب ، والمطلوب الذّباب (٢) .
﴿ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً
وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٦١.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٦٨.