العذاب ، ولكن لم ينفعهم الاعتراف بذنوبهم والنّدم عليها ﴿فَما زالَتْ تِلْكَ﴾ الكلمة والدعوة بالويل ﴿دَعْواهُمْ﴾ ونداءهم ﴿حَتَّى جَعَلْناهُمْ﴾ مثل الزّرع الذي صار ﴿حَصِيداً﴾ بالدّياس ﴿خامِدِينَ﴾ ميّتين لا حسّ لهم ولا حراك ولا أثر كالنّار الخامدة.
عن السجاد عليهالسلام : « لقذ أسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظّالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال : ﴿وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً ،﴾ وإنّما عنى بالقرية أهلها حيث يقول : ﴿وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ﴾ فقال عزوجل : ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ﴾ يعني يهربون ، قال : فلما آتاهم العذاب ﴿قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ﴾ قال : وأيم الله إنّ هذه عظة لكم وتخويف إن اتّعظتم وخفتم » (١) .
وعن الباقر عليهالسلام في تأويله : « إذا قام القائم وبعث إلى بني اميّة بالشام ، هربوا إلى الرّوم ، فيقول لهم الرّوم : لا ندخلنّكم حتى تتنصّروا فيعلّقون في أعناقهم الصّلبان فيدخلونهم ، فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصّلح ، فيقول أصحاب القائم : لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منّا ، فيدفعونهم إليهم ، فذلك قوله : ﴿لا تَرْكُضُوا﴾ إلى قوله : ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ﴾ قال : يسألهم الكنوز وهو أعلم بها ، فيقولون : ﴿يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ﴾ إلى قوله : ﴿خامِدِينَ﴾ أي بالسّيف » (٢) .
﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً
لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا
هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ
عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٦) و (١٩)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله تعذيبه الظّالمين بيّن أنّ حكمة خلق العالم إقامة العدل ومجازاة أهل الظّلم بقوله : ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما﴾ من عجائب المخلوقات حال كوننا ﴿لاعِبِينَ﴾ وعابثين بالخلق ، بل خلقناها لمعرفة بني آدم ربّهم بالنظر إليها والتفكّر فيها ، ولتكميل نفوسهم ، وقيامهم بوظيفة عبوديّة خالقهم ، وشكر المنعم عليهم ، وفعليّة استعدادهم وقابليّتهم للنّعم الأبديّة المعدّة لهم في الآخرة ، ولإقامة العدل ومجازاة الظّالمين ، فعليهم التفكّر في المخلوقات والاجتهاد في الطاعة والشكر ، لا الانهماك في الشّهوات ، ومعارضة الحقّ ، ومشاقّة الرّسل ، والظلم على النفس والعباد.
و﴿لَوْ أَرَدْنا﴾ وأحببنا ﴿أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً﴾ ونشتغل بلعب ﴿لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ ومن جهة قدرتنا
__________________
(١) الكافي ٨ : ٧٤ / ٢٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٢.
(٢) الكافي ٨ : ٥١ / ١٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٢.