بقدرته الكاملة ﴿لِتَبْتَغُوا﴾ وتطلبوا لأنفسكم بعضا ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ ونعمه بالتجارة ﴿إِنَّهُ كانَ﴾ من بدو خلقكم ﴿بِكُمْ رَحِيماً﴾ وعطوفا حيث هيّأ لكم جميع ما تحتاجون إليه ، وسهّل عليكم أسباب معيشتكم ، وحفظكم من خطرات البحر ومهالكه.
ثمّ استدلّ على توحيده بقوله : ﴿وَإِذا مَسَّكُمُ﴾ وأصابكم ﴿الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ﴾ وظهرت لكم أمارات الغرق من تلاطم البحر وتراكم الأمواج من كلّ مكان و﴿ضَلَ﴾ وذهب من خواطركم ﴿مَنْ تَدْعُونَ﴾ وتلتجئون إليه في حوائجكم ﴿إِلَّا إِيَّاهُ﴾ تعالى وحده لارتكاز التوحيد وانحصار القدرة والتصّرف في عالم الوجود في الله الذي هو خالق جميع الموجودات في فطرة الانسان.
روي أن رجلا قال للصادق عليهالسلام : يابن رسول الله ، دلّني على الله ، فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني. فقال [ له : ] « يا عبد الله ، هل ركبت سفينة قطّ ؟ » قال : بلى. قال : « فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟ » قال. بلى : قال : « فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك ؟ » قال : بلى. قال عليهالسلام : « فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي » (١) .
﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ﴾ من الغرق وأوصلكم ﴿إِلَى الْبَرِّ﴾ والساحل سالمين (٢)﴿أَعْرَضْتُمْ﴾ عنه تعالى وكفرتم تلك النّعمة وسائر نعمه باشراككم له في العبادة غيره ﴿وَكانَ الْإِنْسانُ﴾ بجنسه وطبعه ﴿كَفُوراً﴾ لنعم ربّه ، ومبالغا في مقابلتها بالعصيان ، وإنّما يصير شاكرا بتوفيق الله وهدايته.
﴿أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا
لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ
الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٨) و (٦٩)﴾
ثمّ هدّدهم على الكفران بقوله : ﴿أَ فَأَمِنْتُمْ﴾ من أن يهلككم الله بسبب ﴿أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ﴾ وقطعته التي تحتكم ، وحسبتم أنّها المأمن لكم مثل قارون ﴿أَوْ يُرْسِلَ﴾ في البرّ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ من فوقكم ريحا ﴿حاصِباً﴾ مراميا بالأحجار الصغار ، فيكون أشدّ من الغرق ، كما أرسل على قوم لوط ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا﴾ أحدا يكون ﴿لَكُمْ وَكِيلاً﴾ وحافظا ومنجيا منه.
وحاصل المراد كما تحتاجون إليه تعالى في أن يحفظكم من الغرق وأنتم في البحر ، كذلك تحتاجون إليه في أن يحفظكم من الهلاك وأنتم في البرّ ، إذ كما أنّه قادر على أن يغرقكم في الماء
__________________
(١) التوحيد : ٢٣١ / ٥ ، وفيه : حيث لا منجي ، تفسير الصافي ١ : ٦٨.
(٢) في النسخة : سالما.