وعطيّة زائدة ﴿وَكُلًّا﴾ من الأربعة ، أو من إسحاق ويعقوب عليهماالسلام ﴿جَعَلْنا﴾ هم بتوفيقنا ﴿صالِحِينَ﴾ وجامعين لخيرات الدّين والدّنيا ﴿وَجَعَلْناهُمْ﴾ برحمتنا ﴿أَئِمَّةً﴾ للنّاس ومقتدين لهم في امور الدين ، وهداة ﴿يَهْدُونَ﴾ الخلق إلى الحقّ ﴿بِأَمْرِنا﴾ لهم بذلك ، وإرسالنا إيّاهم إليهم ﴿وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ﴾ ليحثّوا الناس عليها ﴿وَكانُوا﴾ أنفسهم ﴿لَنا﴾ خاصّة ﴿عابِدِينَ﴾ وخاضعين ومطيعين.
﴿وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ
كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ * وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَنُوحاً إِذْ
نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْناهُ مِنَ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٤) و (٧٧)﴾
ثمّ ذكر الله نعمته على لوط بإيمانه بإبراهيم عليهالسلام وتبعيّته له بقوله : ﴿وَلُوطاً آتَيْناهُ﴾ من فضلنا ﴿حُكْماً﴾ وقضاء بين الناس ، أو الحكمة التي هي أفضل النّعم ، أو النبوّة التي هي أعلى المناصب ﴿وَعِلْماً﴾ نافعا ، وهو العلم بامور الدين وأحكام الشريعة ﴿وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ﴾ جماعة سكّانها ﴿تَعْمَلُ الْخَبائِثَ﴾ وتفعل الفواحش من قطع الطريق ، وإتيان المنكر في الأندية ، ونكاح الرجال ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ﴾ لم تكن فيهم جهة حسن ، وكانوا ﴿فاسِقِينَ﴾ وخارجين عن حدود العقل والشرع ، منهمكين في الكفر والطّغيان ﴿وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا﴾ الخاصة ، وهي النبوّة ، والثّواب العظيم ، كما عن ابن عبّاس (١) . إنّه كان واحدا ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى.
ثمّ ذكر سبحانه نعمته على نوح عليهالسلام بقوله : ﴿وَنُوحاً إِذْ نادى﴾ ربّه ، والمعنى : اذكر نبأه الواقع حين دعائه على قومه بالهلاك ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي الزمان السابق على إبراهيم ﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ﴾ دعاءه على قومه بقوله : « ربّ إنّي مغلوب فانتصر » ﴿فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ﴾ وأولاده والمؤمنين به ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ والغمّ الشّديد ، من تكذيب القوم وإيذائهم ، أو منه ومن العذاب ﴿وَنَصَرْناهُ﴾ نصرا مستتبعا للانتقام ﴿مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ ودلائل توحيدنا ، ورسالة رسلنا.
وقيل : يعني نصرناه من مكروه القوم (٢) ، أو عصمناه من مكرهم. وقيل : إنّ كلمة ( من ) بمعنى على (٣)﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ﴾ وامّة رذيلة الأخلاق ، وفاسدة العقائد والأعمال ﴿فَأَغْرَقْناهُمْ﴾ بالطّوفان ﴿أَجْمَعِينَ﴾ بحيث لم ينفلت منهم أحد.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٩٢.
(٢ و٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٩٤.