وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٠) و (٧٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ إلقاءهم إبراهيم عليهالسلام في النّار صار معجزة قاهرة له بقوله : ﴿وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً﴾ ومكرا عظيما في الإضرار به وإهلاكه ﴿فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ من كلّ خاسر حيث صار سعيهم في إهلاك إبراهيم عليهالسلام بالنار دليلا ظاهرا كالنّار على المنار على رسالته ، و[ صار ] اتّفاقهم على إطفاء نور الحقّ برهانا قاطعا على حقّانيّته.
وقيل : يعني جعلناهم الهالكين بتسليط البعوض عليهم وقتله إيّاهم مع كونه أضعف خلق الله تعالى ، وما برح نمرود حتى رأى أصحابه قد أكل البعوض لحومهم ، وشرب دماءهم ، ووقعت بعوضة في منخره ، فلم تزل تأكل منه إلى أن وصلت إلى دماغه ، وكان أكرم الناس عليه الذي يضرب رأسه بمرزبة (١) من حديد ، فأقام بهذا الحال نحوا من أربعمائة سنة ثمّ مات ، كذا قيل (٢) .
ثمّ ذكر سبحانه سائر نعمه العظام على إبراهيم عليهالسلام بقوله : ﴿وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً﴾ الذي هو ابن أخيه ، أو ابن خالته ، من شرّ الكفّار ومجاورتهم مهاجرين من بابل وأرض العراق ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا﴾ وأكثرنا نعمنا ﴿فِيها لِلْعالَمِينَ﴾ من حيث إكثار المياه والأشجار والثّمار والحطب ، وطيب العيش للغنيّ والفقير ، وبعث الأنبياء ونشر الشّرائع ، وهي أرض الشام.
وعن أبيّ بن كعب : سماها مباركة لأنّه ما من ماء عذب إلّا وينبع أصله من تحت الصّخرة التي ببيت المقدس (٣) .
قيل : خرج إبراهيم مع لوط وسارة من كوثى ، وهو من بلاد أرض بابل ، مهاجرا إلى ربّه ، وفرارا بدينه ، حتى نزل بحرّان ، فمكث بها ما شاء الله ، ثمّ ارتحل منها ونزل بفلسطين ، ثمّ خرج منها مهاجرا حتى قدم مصرا ، ثمّ خرج من مصر وعاد إلى أرض الشام ، ونزل لوط بالمؤتفكة وبعثه الله نبيّا إلى أهلها(٤).
وفي الحديث : بيت المقدس أرض الحشر والنّشر ، والشام صفوة الله من بلاده يجيئ إليها صفوة خلقة (٥) .
وكان من المنن أنّا أنعمنا على إبراهيم عليهالسلام ﴿وَوَهَبْنا لَهُ﴾ بعد هجرته إلى الأرض المباركة ونزوله فيها ﴿إِسْحاقَ﴾ من صلبه ورحم سارة ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ من صلب إسحاق عليهالسلام حال كونه ﴿نافِلَةً﴾
__________________
(١) المرزبة : عصيّة من حديد ، ومطرقة كبيرة تكسر بها الحجارة.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٥٠٠.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٥٠١.
(٤ و٥) تفسير روح البيان ٥ : ٥٠١.