وعن الباقر عليهالسلام : « إنّما العمى عمى القلب » ثمّ تلا الآية (١) .
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ
مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تهديد المكذّبين بما نزّل على الامم المكذّبة للرّسل من العذاب ، حكى عنهم الاستهزاء بوعيدهم به بقوله : ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ﴾ يا محمّد ﴿بِالْعَذابِ﴾ الّذي تهدّدهم به استهزاء بتهديدك إيّاهم به مع أنّ الله وعدهم بعذاب الآخرة ﴿وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ﴾ بذلك العذاب بأن يأتيهم به في الدنيا ، بل يأتيه كما وعد بلا خلف ولا تغيير ، ولم يعدهم بعذاب الدنيا ، بل ذكر ما نزّل على الامم من باب العظة والاعتبار ﴿وَإِنَّ يَوْماً﴾ من أيّام الآخرة ﴿عِنْدَ رَبِّكَ﴾ يكون في كثرة الآلام والشّدائد عندهم ﴿كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ وتحسبون من سنيّ الدنيا لو بقيتم وعذّبتم فيها.
وقيل : إنّ المراد بيان طول أيّام الآخرة (٢) ، فالمعنى أنّ العذاب الذي يكون طول أيّامه إلى هذا الحدّ لا ينبغي للعاقل أن يستعجله.
وقيل : إنّ المعنى أنّ اليوم الواحد وألف سنة بالنسبة إليه تعالى سواء ؛ لأنّه لا يخاف الفوت ، فإذا لم تستبعدوا إمهال يوم واحد فلا تستبعدوا إمهال ألف سنة (٣) .
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ * قُلْ يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ
الْجَحِيمِ (٤٨) و (٥١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ عادته الإمهال ثمّ الأخذ ، أكّده بقوله : ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ وكم من بلدة ﴿أَمْلَيْتُ﴾ وأمهلت ﴿لَها﴾ وأخّرت إهلاكها ﴿وَهِيَ ظالِمَةٌ﴾ مستمرّة على الكفر والطّغيان مستوجبة لتعجيل عقوبتها ، كما أمهلت هؤلاء المستهزئين مع غاية ظلمهم وشدّة استحقاقهم للعذاب ﴿ثُمَّ أَخَذْتُها﴾ بالعقوبة الشديدة ﴿وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ وإلى حكمي المرجع في الآخرة ، فأفعل بهم ما أفعل ممّا يليق بأعمالهم.
ثمّ أمر الله النبيّ صلىاللهعليهوآله بالثّبات على الدّعوة وعدم المبالاة بتكذيب الكفّار بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد:
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٤.
(٢ و٣) تفسير الرازي ٢٣ : ٤٦.