شأني ؟ فانّي منذ ملكت زمام السلطنة ﴿ما كُنْتُ قاطِعَةً﴾ ومنفذّة ﴿أَمْراً﴾ من الامور المهمة وغيرها ﴿حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ وتحضرون عندي ، وتصوّبون عملي ، اعتمادا على عقولكم ، واستمدادا بآرائكم ﴿قالُوا﴾ في جوابها : ﴿نَحْنُ﴾ رجال ﴿أُولُوا قُوَّةٍ﴾ وذوو الأجسام العظيمة السليمة والعدد الكثير ، والعدّة الكاملة للحرب ﴿وَأُولُوا بَأْسٍ﴾ وبطش ﴿شَدِيدٍ﴾ ونجدة وشجاعة تامة في قتال العدوّ.
ثمّ لمّا كان حسن الأدب في أن لا يحكم أهل المشورة على الرئيس المستشير بالعمل برأيهم ، بل عليهم أن يخبروه في ما أراد قالوا : ﴿وَالْأَمْرُ﴾ مفوّض ﴿إِلَيْكِ﴾ موكول إلى نظرك ورأيك ، فاذا كان كذلك ﴿فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ﴾ به حتى نطيعك فيه ، فلمّا رأت ميلهم إلى الحرب باظهار قوتهم الذاتية والعرضية ، وكان ذلك عندها خلاف الصواب ، أخذت في تزييف رأيهم.
﴿قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا﴾ بالقهر والغلبة وبطريق المقابلة ﴿قَرْيَةً﴾ من القرى ، وبلدة من البلدان ﴿أَفْسَدُوها﴾ وخرّبوها ، وأتلفوا ما فيها من النفوس والأموال ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها﴾ وصيّروا أشراف ساكنيها ﴿أَذِلَّةً﴾ بالأسر والإجلاء وغير ذلك من فنون الاهانة والاذلال.
ثمّ أكّدت قولها بقولها : ﴿وَكَذلِكَ﴾ الذي قلت ملوك الدنيا ﴿يَفْعَلُونَ﴾ بحسب العادة والسيرة المستمرة ، فعلى هذا يكون في مقاتلتهم وغلبتهم علينا تخريب ملكنا ، وإذلال رعايانا ، فاذن كان الأصلح هو الصلح.
وعن القمي وبعض العامة : أنّ الذليل كلام الله ، تصديقا لقول بلقيس (١) .
﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ
أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ
تَفْرَحُونَ (٣٥) و (٣٦)﴾
ثمّ ذكرت مقدمة الصلح بقولها : ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ عظيمة ﴿فَناظِرَةٌ﴾ ورائية ، أو منتظرة ﴿بِمَ يَرْجِعُ﴾ إليّ من الخبر ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾ من قبلي إلى سليمان ، أنّه قبل الهدية أو ردّها ، فنستكشف من معاملته ومكالمته حالته أنّه نبي أو ملك ، ونعلم غرضه أنّه السلطنة أو الهدية ، فنعمل بمقتضاه.
روي أنّها بعثت خمسمائة غلام ، عليهم ثياب الجواري وحليهن (٢) كالأساور والأطواق والقرطة مخضبي الأيدي ، راكبي خيل مغشّاة بالدّيباج ، محلّاة اللّجم والسّروج بالذهب المرصّع بالجواهر ،
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٢٨ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٥.
(٢) في النسخة : سلبهن.