القصّة ، قال : إنّك إذا لمن المتصدّقين بهذا ، إذهب لا أعطيك شيئا ، فطرده ووبّخه (١) .
﴿فَقالَ﴾ الكافر ﴿لِصاحِبِهِ﴾ وأخيه ﴿وَهُوَ يُحاوِرُهُ﴾ ويكالمه مفتخرا عليه : ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً﴾ وثروة ﴿وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ من البنين والخدم والأعوان ﴿وَدَخَلَ﴾ يوما ﴿جَنَّتَهُ﴾ مع أخيه المؤمن ﴿وَهُوَ﴾ بكفره ﴿ظالِمٌ﴾ وضارّ ﴿لِنَفْسِهِ﴾ ومعجب بماله ﴿قالَ ما أَظُنُ﴾ ولا احتمل ﴿أَنْ تَبِيدَ﴾ وتفنى ﴿هذِهِ﴾ الجنّة ﴿أَبَداً﴾ وما دمت حيّا ﴿وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ﴾ التي يبعث من في القبور ﴿قائِمَةً﴾ وآتية فيما بعد ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ﴾ ورجعت بعد الموت ﴿إِلى رَبِّي﴾ بالبعث على الفرض وزعمك ، والله ﴿لَأَجِدَنَ﴾ يومئذ بعد انقطاعي من هذه الجنّة ﴿خَيْراً مِنْها﴾ في الآخرة ﴿مُنْقَلَباً﴾ ومرجعا ﴿قالَ لَهُ صاحِبُهُ﴾ وأخوه المؤمن ﴿وَهُوَ يُحاوِرُهُ﴾ ويكالمه ويجادله منكرا عليه ، ومتعجّبا من مقالاته الفاسدة ﴿أَ كَفَرْتَ﴾ يا أخي ﴿بِالَّذِي خَلَقَكَ﴾ من أصل مخلوق ﴿مِنْ تُرابٍ﴾ بقدرته الكاملة وحكمته البالغة ﴿ثُمَ﴾ بعد خلق أصلك منه خلقك ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أمشاج ومنيّ دافق في الرّحم ﴿ثُمَّ سَوَّاكَ﴾ وخلقك معتدلا في الخلق والقامة ، وجعلك ﴿رَجُلاً﴾ وإنسانا ذكرا بالغا ، فمن كان له القدرة والحكمة والنّعمة هل يساويه غيره في الصفات ؟ وهل يعجز عن إعادة خلقك مع اقتضائها الحكمة ؟ حاشا وكلّا ﴿لكِنَّا﴾ قالوا : أصله لكن أنا (٢) مؤمن موحّد معتقد وقائل بأنّه ﴿هُوَ اللهُ﴾ تعالى ﴿رَبِّي﴾ ومالك أمري ﴿وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي﴾ في الألوهيّة والربوبيّة ﴿أَحَداً﴾ من خلقه.
﴿وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً
وَوَلَداً * فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ
فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٣٩) * (٤١)﴾
ثمّ لامه على كفرانه النعمة بقوله : ﴿وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ﴾ وهلّا حين وردت في بستانك ﴿قُلْتَ ما شاءَ اللهُ﴾ - من إبقاء الجنّة وإفنائها - كان ، وهلّا قلت حين رأيت جنّتك في غاية الحسن والبهاء وكثرة المنفعة اعترافا بعجزك عن تعميرها وأنّه بقدرة الله ومعونته ، وأنّ ما فيها من الأشجار والثّمار والعمارة بمشيّة الله ﴿لا قُوَّةَ﴾ بشيء من الحيوانات والنباتات ﴿إِلَّا بِاللهِ.﴾
في الحديث : « من رأى شيئا فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله ، لم تضرّه العين » (٣) .
وفي حديث آخر : « من رأى أحدا اعطي خيرا من أهل أو مال ، فقال عنده : ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢٤٥.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٢٢ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٤٧.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢٤٧.