فيها هي ﴿آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ﴾ والقرآن الظاهر إعجازه لعجز الناس عن الاتيان بمثله ، أو المظهر للمعارف والأحكام والعلوم المحتاج إليها مع أمية من أتى به ، أو المظهر للحقّ والباطل ، أو المراد هي الآيات المكتوبة في اللّوح المحفوظ.
ثمّ لمّا كان النبيّ صلىاللهعليهوآله مع قوّة دلالة القرآن على صدقه شديد الحزن على عدم إيمان قومه به ، سلّاه سبحانه إشفاقا عليه بقوله : ﴿لَعَلَّكَ﴾ يا محمّد ﴿باخِعٌ﴾ وقاتل ﴿نَفْسَكَ﴾ غمّا على قومك لأجل ﴿أَلَّا يَكُونُوا﴾ مع عظمة معجزتك ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ بتوحيد الله وبرسالتك وصدق كتابك ، لا تغتمّ فانّهم ليسوا بأهل (١) للإشفاق عليهم ، لكونهم في غاية اللّجاج والعناد للحقّ ، فلا يؤمنون بالطّوع ، وإن أحببت إجبارهم على الايمان ، فنحن قادرون عليه لأنّا ﴿إِنْ نَشَأْ﴾ إجبارهم عليه ﴿نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً﴾ عظيمة ملجئة لهم إلى الايمان كإنزال الملائكة أو الصيحة ﴿فَظَلَّتْ﴾ وصارت بسبب تلك الآية ﴿أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ﴾ منقادين بحيث لا يقدر أحدهم أن يميل عنقه إلى المخالفة والعصيان ، وإنّما لم نشأ ذلك لعدم الفائدة في هذا النحو من الايمان ، كما لا فائدة في الايمان في الآخرة.
ثمّ إنه تعالى نسب الخضوع إلى رقابهم ، مع أنه حال يعرض لهم لأنّها محلّة ، ولذا جاء سبحانه بالجمع الذي للعقلاء.
وقيل : إنّ المراد بالأعناق الرّؤساء والكبراء ، كما يقال لهم الرؤوس (٢) .
وقيل : إنّ المراد جماعاتهم كما يقال : جاء عنق من الناس (٣) .
عن الباقر عليهالسلام في هذه الآية قال : « سيفعل الله ذلك بهم » قيل : من هم ؟ قال : « بنو امية وشيعتهم » قيل :
وما الآية ؟ قال : « ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر ، وخروج صدر ووجه في عين الشمس ، يعرف بحسبه ونسبه ، وذلك في زمان السفياني ، وعندها يكون بواره وبوار قومه » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّ القائم عليهالسلام لا يقوم حتى ينادي مناد من السماء ، تسمعه الفتاة في خدرها ، ويسمعه أهل المشرق والمغرب ، وفيه نزلت هذه الآية ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ ،﴾ إلى آخرها » (٥) .
والقمي عنه عليهالسلام قال : « تخضع رقابهم - يعني بني امية - وهي الصيحة من السماء باسم صاحب الأمر عليهالسلام » (٦) .
﴿وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا
__________________
(١) في النسخة : بآهلين.
(٢و٣) تفسير الرازي ٢٤ : ١١٩.
(٤) إرشاد المفيد ٢ : ٣٧٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٠.
(٥) غيبة الطوسي : ١٧٧ / ١٣٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٩.
(٦) تفسير القمي ٢ : ١١٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٩.