والوالد والولد ، وامتناعهما بينه تعالى وبين ما سواه ﴿وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ﴾ لأنّه ﴿إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ﴾ وانفرد كلّ خالق ﴿بِما خَلَقَ﴾ واستبدّ به وامتاز ملك كلّ عن ملك الآخر ، كما هو دأب الملوك ﴿وَلَعَلا﴾ وغلب ﴿بَعْضُهُمْ﴾ في الملك ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ آخر كما هو العادة الجارية بين الملوك ، فلم يكن بيد أحد منهم ملكوت كلّ شيء ، فوحدة الملك واتّساق النّظام أقوى دليل على وحدة الإله.
ثمّ نزّه ذاته المقدّسة عن الندّ والولد بقوله : ﴿سُبْحانَ اللهِ﴾ وتنزّه ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ ربّهم من كونه ذا ولد وشريك.
ثمّ استدلّ سبحانه على توحيده بسعة علمه بقوله : ﴿عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ﴾ والسرّ والعلانية التي تكون لجميع الموجودات بالاحاطة والقيمومية ، ولو لم يكن جميعها مخلوقاته لم يكن له العلم بجميعها وليس لغيره ذلك ، فكيف يمكن أن يكون له شريك مساو له في الالوهية ﴿فَتَعالى﴾ شأنه ، وتقدّس ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به ممّا لا علم له بشيء.
قيل : في ذكر الوصفين إشعار بوعيد المشركين (١) .
﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ (٩٣) و (٩٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تهديدهم بأمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بالاستعاذة ممّا وعدهم من العذاب بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، متضرّعا إلي : يا ﴿رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ﴾ قيل : يعني يا ربّ إن كان ولا بدّ أن تريني ما وعدت المشركين من العذاب المستأصل في الدنيا (٢) ﴿رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي﴾ ولا تبقني ﴿فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وأخرجني من بينهم لئلّا يصيبني ما يصيبهم من العذاب.
وفيه بيان لغاية فضاعة ما وعدوه ، بحيث يجب أن يستعيذ منه من لا يكاد أن يحيق به ، وردّ لإنكارهم إيّاه واستعجالهم له بطريق الاستهزاء.
قيل : هضما لنفسه ، أو إنّما أمر صلىاللهعليهوآله بهذا القول ؛ لأنّ شؤم الكفرة قد يحيق بمن وراءهم ، كما قال تعالى : ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾(٣) .
روي أنه لمّا أخبر الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوآله بأن له في أمّته نقمة ولم يطلعه على وقتها ، أمره بهذا الدعاء(٤) .
في ( المجمع ) عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنه قال في حجّة الوداع وهو بمنى : « لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١١٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١١٧ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٠٣.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ١٤٩ ، والآية من سورة الأنفال : ٨ / ٢٥.
(٤) تفسير أبي السعود ٦ : ١٤٩.