ثمّ فخّم شأن المهاجرين من المؤمنين بتخصيصهم بالذّكر والوعد بالثّواب بقوله : ﴿وَالَّذِينَ هاجَرُوا﴾ وخرجوا من أوطانهم ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وطلبا لمرضاته ، وترويجا لدينه ، ونصرة لرسوله ﴿ثُمَّ قُتِلُوا﴾ في الجهاد ، أو في طريق المهاجرة ﴿أَوْ ماتُوا﴾ حتف الأنف فيه ، بالله ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً﴾ وينعم عليهم بعيشة مرضيّة ونعمة عظيمة دائمة ﴿وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ حيث إنّه تعالى يرزق بلا عوض ولا منّة ولا حساب.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان رزقهم ، بيّن مسكنهم بقوله : ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً﴾ وليسكننّهم مسكنا ﴿يَرْضَوْنَهُ﴾ ويفرحون به ، وهو الجنّة التي فيها مالا عين رأت ولا اذن سمعت ، ولا خطر في قلب بشر ، فيرضونه ولا يبغون عنها حولا ، كما عن ابن عباس (١) .
وقيل : إنّه خيمة من درّة بيضاء لا فصم فيها ولا وصم ، لها سبعون ألف مصراع (٢) .
﴿وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ﴾ بما يستحقّونه أو يرضونه فيعطيهم ويزيدهم من فضله ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يعجّل بعقوبة أعدائه وعصاة خلقه ليتوبوا.
روي أنّ طوائف من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله قالوا : يا رسول الله ، هؤلاء الّذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ، ونحن نجاهد معك كما جاهدوا ، فمالنا إن متنا معك ؟ فأنزل الله هاتين الآيتين(٣).
وعن أنس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال « المقتول في سبيل الله ، والمتوفّى في سبيل الله بغير قتل [ هما ] في الخير والأجر شريكان » (٤) .
﴿ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
* ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ * ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ
الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٠) و (٦٢)﴾
ثمّ أكّد سبحانه الوعد بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ قيل : يعني الأمر ما بيّنا لك من إنجاز الوعد للمهاجرين الّذين قتلوا أو ماتوا (٥) .
ثمّ وعد سبحانه المهاجر الذي قاتل اضطرارا بالنّصر في الدّنيا والأجر في الآخرة بقوله : ﴿وَمَنْ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٥٨ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١١٦.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٥٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ٥٨ ، تفسير روح البيان ٦ : ٥٢.
(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ٥٨.
(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ٥٩.