عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ﴾ وقاتل من يقاتله وجازي الظّالم عليه بمثل ظلمه ولم يزد ﴿ثُمَّ بُغِيَ﴾ وظلم ﴿عَلَيْهِ﴾ بأن اضطرّ إلى الهجرة بالله ﴿لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ﴾ ويعينه على من (١) بغى عليه البتّة ﴿إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ للمنتصر.
قيل : نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحّرم ، فقال بعضهم لبعض : إنّ أصحاب محمّد يكرهون القتال في الشّهر الحرام ، فاحملوا عليهم. فناشدهم المسلمون أن يكفّوا عن قتالهم فأبوا وقاتلوهم ، فذلك بغيهم عليهم ، وثبت المسلمون لهم ، فنصروا عليهم ، فوقع في أنفس المسلمين من القتال في الشّهر الحرام ما وقع ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وعفا عنهم وغفر لهم (٢) .
وعن القمّي : هو رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا أخرجته قريش من مكّة ، وهرب منهم إلى الغار ، وطلبوه ليقتلوه ، فعاقبهم الله يوم بدر. وقتل عتبة وشيبة والوليد وأبو جهل وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم.
فلمّا قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله طلب بدمائهم ، فقتل الحسين عليهالسلام وآل محمّد صلىاللهعليهوآله بغيا وعدوانا ، وهو قول يزيد لعنه الله حين تمثّل بهذا الشعر : ليت أشياخي ببدر شهدوا ... إلى آخره.
فقال الله تعالى : ﴿ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ﴾ يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله ﴿بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ﴾ يعني حين أرادوا أن يقتلوه ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ﴾ يعني بالقائم من ولده (٣) .
قيل : إنّ توصيف ذاته المقدّسة بالعفوّ والغفور مع أنّه لا ذنب للمعاقب ؛ لأنّ العفو عن الباغي في غاية الحسن ، فنزّل سبحانه تركه منزلة الإساءة ، فنبّه على عفوه عنها ، أو للتّنبيه على أنّ الإتّصاف بصفات الله غاية آمال المؤمنين ، ومن صفاته تعالى أنّه عفوّ غفور ، فيحسن منهم العفو والغفران.
﴿ذلِكَ﴾ النصر ﴿بِأَنَّ اللهَ﴾ قادر على كلّ شيء ، بدليل أنّه تعالى ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ﴾ ويغلب أحدهما على الآخر بالزّيادة والنّقص ، فكيف بتغليب المؤمنين على المشركين ﴿وَ﴾ بسبب ﴿أَنَّ اللهَ﴾ مع كمال قدرته ﴿سَمِيعٌ﴾ لمقالات الظّالمين والمظلومين ﴿بَصِيرٌ﴾ بأعمالهم ، فيجازيهم على حسب أعمالهم واستحقاقهم ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من القدرة الكاملة والعلم الشّامل ﴿بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ﴾ الثابت والواجب الوجود الّذي لا زوال له ولا نقص ولا عجز ولا جهل ، وأنّه متفرّد بالالوهيّة واستحقاق العبادة ﴿وَأَنَّ ما يَدْعُونَ﴾ ويعبدون ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ من الكواكب والأصنام ﴿هُوَ الْباطِلُ﴾ والفاني العاطل ، ﴿وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُ﴾ الفائق بقدرته الغالب على
__________________
(١) في النسخة : ما.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٥٩.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٨٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٨.