وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٤٩) و (٥٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إخباره بسخطه على مكذّبي موسى ، أخبر بلطفه به وبالمؤمنين به بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى﴾ في الطّور لطفا به وبامّته ﴿الْكِتابَ﴾ المعهود المسمّى بالتّوراة بعد إهلاك فرعون وقومه وإنجاء بني إسرائيل ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ بذلك الكتاب وبما فيه من العلوم والشّرائع ﴿يَهْتَدُونَ﴾ إلى كلّ حقّ وخير.
ثمّ ذكر سبحانه ألطافه بعيسى ومريم رغما لليهود بقوله : ﴿وَجَعَلْنَا﴾ عيسى ﴿ابْنَ مَرْيَمَ﴾ بسبب ولادته بنفخ روح القدس وتكلّمه في المهد وإجراء المعجزات العظيمة على يده ﴿وَأُمَّهُ﴾ مريم بسبب تكلّمها في الصّغر كابنها ، على ما قيل (١) . وعدم ارتضاعها من ثدي قطّ ، واحتبالها بغير فحل ﴿آيَةً﴾ عظيمة على كمال قدرتنا. وقيل : يعني جعلناهما عبرة لبني إسرائيل بعد موسى (٢)﴿وَآوَيْناهُما﴾ وأسكنّاهما بعد فرارهما من اليهود ﴿إِلى رَبْوَةٍ﴾ ومكان مرتفع من الأرض. قيل : هو إيليا من أرض بيت المقدس ، فإنّها مرتفعة (٣) . وقيل : إنّها كبد الأرض (٤) . وقيل : هو قرية ناصرة (٥) كانت ﴿ذاتِ قَرارٍ﴾ وانبساط تسهل السّكونة فيها ، أو ذات ثمار وزروع ﴿وَ﴾ ذات ﴿مَعِينٍ﴾ وماء جار.
عن الصادق عليهالسلام : « الرّبوة : نجف الكوفة ، والمعين الفرات » (٦) . قيل : إنّ مريم وعيسى ويوسف بن ماثان ابن عمّها ، أقاموا بها اثنتي عشرة سنة ، وكانت تفتل الحبل وعيسى عليهالسلام يبيعه ويأكل من ثمنه (٧) .
روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله صلّى الصّبح بمكّة فقرأ سورة المؤمنين ، فلمّا أتى على ذكر عيسى وأمّه أخذته شرقة فركع (٨) . قيل : الشّرقة : شدّة البكاء.
﴿يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ
هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ
حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥١) و (٥٤)﴾
ثمّ أخبر الله تعالى بتكاليف الأنبياء تهييجا للعباد على العمل بها بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ﴾ المأكولات ﴿الطَّيِّباتِ﴾ والأغذية المستلذّات المحلّلات ﴿وَاعْمَلُوا﴾ لله كلّما كان ﴿صالِحاً﴾ فإنّه المقصود منكم والنّافع لكم ﴿إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال الظّاهرة والباطنة ﴿عَلِيمٌ﴾ فاجازيكم
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٠٢.
(٢-٥) تفسير روح البيان ٦ : ٨٦.
(٦) كامل الزيارات : ٤٧ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٨ / ٧٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠١.
(٧و٨) تفسير روح البيان ٦ : ٨٦.