ركعتين ، ودعا الله عزوجل أجابه (١) ، ويكشف السوء ، ويجعله خليفة في الأرض » (٢) .
أقول : يعني أنّه أظهر مصاديق المضطّر ، لا أنّ المراد شخصه فقط ، ثمّ أضرب سبحانه عمّا ذكر إلى التبكيت بذكر نعمة اخرى بقوله : ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ﴾ ويرشدكم إلى الطريق مع كونكم ﴿فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ بالنجوم في السماء وعلامات الطريق في الأرض ؟
وقيل : اريد من الظلمات مشتبهات الطرق (٣)﴿وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ لتكون ﴿بُشْراً﴾ ومبشّرات ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ؟﴾ وقيل : إنزاله المطر (٤) الذي به حياة الأرض وما فيها مع الوصف.
﴿أَ﴾ تقولون : ﴿إِلهٌ مَعَ اللهِ﴾ يقدر على مثل ذلك ؟ ! ﴿تَعالَى اللهُ﴾ العظيم القدير الحكيم ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به من الجمادات التي هي أعجز مخلوقاته.
﴿أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ
هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ
فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٤) و (٦٦)﴾
ثمّ أضرب سبحانه من النّعم المذكورة إلى ذكر أصل النّعم الدنيوية والاخروية ، وهو نعمة الايجاد في الدنيا والاعادة في الآخرة بقوله : ﴿أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ﴾ في هذا العالم ويجر من كتم العدم إلى الوجود في الدنيا ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ ويوجده ثانيا في الآخرة بعد إماتته في الدنيا.
ثمّ لمّا كانت نعمة الوجود لا تتمّ إلّا بالبقاء المتوقّف على إيصال ما يحتاج بقاؤهم إليه ، أردفه بذكره بقوله : ﴿وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ﴾ ويوصل إليكم جميع ما يتوقّف عليه بقاؤكم عليه ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ بالأمطار ﴿وَ﴾ من ﴿الْأَرْضِ﴾ بالإنبات ، ومع ذلك ﴿أَ﴾ تقولون ﴿إِلهٌ﴾ آخر يكون ﴿مَعَ اللهِ﴾ ويشاركه في الالوهية واستحقاق العبادة ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، للمشركين هذه المذكورات براهيننا على مدّعانا من التوحيد ، وأنتم ﴿هاتُوا بُرْهانَكُمْ﴾ على أنّ مع الله آلهة اخرى ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعواكم.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان اختصاصه بالقدرة الكاملة ، بيّن اختصاصه بالعلم غير المتناهي بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ﴾ من الملائكة ﴿وَ﴾ من في ﴿الْأَرْضِ﴾ من الإنس والجنّ
__________________
(١) في تفسير الصافي : فأجابه.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٢٩ ، تفسير الصافي ٤ : ٧١.
(٣) تفسير البيضاوي ٢ : ١٨١ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٢٩٥ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٦٣.
(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ١٨١ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٦٣.