كلّ واحد منهم ثلاثة أساور (١) .
أقول : لعلّ كلّ سوار له شكل خاصّ ، وهو ما يلبس في الذّراع ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً﴾ لأنّ الخضرة - على ما قيل - أحسن الألوان وأكثرها طراوة (٢) ، وجنس الثياب ﴿مِنْ سُنْدُسٍ﴾ وحرير رقيق ﴿وَ﴾ من ﴿إِسْتَبْرَقٍ﴾ وديباج غليظ حال كونهم ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ كالملوك ﴿فِيها عَلَى الْأَرائِكِ﴾ والسّرر الموضوعة في البيوت المزيّنة.
عن الباقر عليهالسلام : « الأرائك ، السّرر ، عليها الحجال » (٣) .
ثمّ مدح سبحانه ذلك الأجر العظيم بقوله : ﴿نِعْمَ الثَّوابُ﴾ تلك الجنّات ونعمها ﴿وَحَسُنَتْ﴾ تلك الأرائك من حيث كونها ﴿مُرْتَفَقاً﴾ ومتّكأ ، أو مقرّا للاستراحة ، وقد قال سبحانه ما قال في حقّ الكفّار من قوله : ﴿بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ بهذا التذييل. وإنّما أتى ( يحلّون ) بصيغة المبنّي للمفعول ، و( يلبسون ) بصيغة المبني للفاعل ؛ لأنّ العروس يلبس ثيابه بنفسه ، وأمّا تحليته فغالبا [ ما ] يكون بيد الغير ، أو للاشارة إلى أنّ لبس الثياب يكون بسبب أعمالهم ، وأمّا التّحلية فإنّها من كرامات الله الزائدة تفضّلا به.
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما
بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً
وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٢) و (٣٣)﴾
ثمّ لمّا كان الكفار المتنفّرون من فقراء المؤمنين مفتخرين عليهم بكثرة أموالهم وأتباعهم ، بيّن الله سبحانه زوال الغنى والثروة في الدنيا ودوام المعارف والأعمال الصالحة للمؤمنين في الدّارين ، للكافر الغنيّ والمؤمن الفقير بقوله : ﴿وَاضْرِبْ﴾ يا محمّد ﴿لَهُمْ مَثَلاً﴾ بديعا ، وبيّن لهم بهذا المثل حالهم بيانا واضحا ، وهو أنّ ﴿رَجُلَيْنِ﴾ كان واحد منهما مؤمنا والآخر كافرا و﴿جَعَلْنا لِأَحَدِهِما﴾ الكافر ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ وبستانين كانت أشجارهما ﴿مِنْ أَعْنابٍ﴾ متنوّعة وكروم مختلفة وأحطنا بالجنّتين ﴿وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ.﴾
قيل : هذه الصفة ممّا يؤثرها الدهاقين في كرومهم ، فإنّهم يجعلونها محفوفة بالأشجار المثمرة (٤) . ﴿وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً﴾ كثيرا من أنواع الحبوبات ، وفي ذكر الصفات دلالة على اتّساعها
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٧٢٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٤٣.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٤٣.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٢١٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٢ ، والحجال : جمع حجلة : ساتر كالقبّة يزيّن بالثياب والسّتور للعروس.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ١٢٤.