في ﴿الْآخِرَةِ﴾ بإعلاء درجته ودرجة المؤمنين به ، والانتقام من معارضيه ومكذّبيه ، ويغيظه ما يرى من خلاف ما توهّمه ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ وليربط عنقه ﴿بِسَبَبٍ﴾ وحبل ﴿إِلَى السَّماءِ﴾ المطلّة ، أو سقف بيته ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ ذلك الحبل فيسقط على الأرض ويموت ، أو ليقطع نفسه ويختنق ﴿فَلْيَنْظُرْ﴾ وليتصوّر في نفسه ﴿هَلْ يُذْهِبَنَ﴾ ويزيلنّ ﴿كَيْدُهُ﴾ وتدبيره وفعله ذلك بنفسه ﴿ما يَغِيظُ﴾ من نصرة الله لمحمّد صلىاللهعليهوآله ؟ كلّا ، لا يقدر على دفع نصرة الله له وإن أهلك نفسه من شدّة غضبه ؛ لأنّ الله لا يعجزه شيء عن إنفاذ إرادته.
قيل : كان قوم من المسلمين لشدّة غيظهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر ، فنزلت (١) .
وقيل : إنّ أعداءه كانوا يتوقّعون أن لا ينصره الله ، فلمّا شاهدوا أنّ الله نصره غاظهم ذلك ، فنزلت (٢) .
وحاصل المعنى أنّه تعالى ناصر رسوله لا محالة ، فمن كان يغيظه ذلك أن لن يفعله تعالى بسبب مدافعته فليبالغ في الجدّ في دفعه ، فقصارى أمره وعاقبة مكره أن يختنق ممّا يرى من بطلان سعيه في ذلك.
وقيل : إنّ المراد فليمدد حبلا إلى السماء المطلّة وليصعد عليها ، ثمّ ليقطع الوحي ، أو فليقطع نصر الله لنبيه صلىاللهعليهوآله (٣) .
وقيل : إنّ ضمير ( لن ينصره ) راجع إلى الموصول ، والمراد من النصرة الرزق ، والمعنى من كان يظنّ أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة ، ولذا يعدل عن التمسّك بدين محمّد صلىاللهعليهوآله ، فليبالغ في الجزع ، وغايته الاختناق ، فإنّ ذلك لا يقلب القسمة ولا يجعله مرزوقا (٤) .
عن مقاتل : أنّها نزلت في نفر من أسد وغطفان ، فإنّهم قالوا : نخاف أن لا ينصر الله محمّدا ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود ، فلا يميروننا (٥) .
﴿وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٦) و (١٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حال المشركين والمؤمنين وعدم قدرة أحد على المنع من إنفاذ إرادته بأبلغ
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١٦.
(٣) تفسير الكشاف ٣ : ١٤٨.
(٤) مجمع البيان ٧ : ١٢١.
(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ١٦.