رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ
لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٦٨) و (٧٠)﴾
ثمّ وبّخهم سبحانه على عدم الإيمان بالقرآن بقوله : ﴿أَ فَلَمْ يَدَّبَّرُوا﴾ هذا ﴿الْقَوْلَ﴾ والكلام النّازل من الله ، ولم يتفكّروا في وجوه إعجازه ، وبداعة اسلوبه ، ولطافة معانيه ﴿أَمْ جاءَهُمْ﴾ قيل : إنّ المعنى بل أجاءهم (١)﴿ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ من الكتب السّماويّة حتى يستبعدوا إتيانه من السّماء وينكروه ، مع أنّ إنزال الكتب وإرسال الرّسل سنّة قديمة من الله تعالى بحيث لا يمكن إنكارها ؟ فليس لإنكارهم كون القرآن كسائر الكتب نازلا من الله وجه.
ثمّ أنكر عليهم عدم إيمانهم بالرّسول بقوله : ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ بالصّدق والأمانة وحسن الأخلاق وكمال العلم مع اميّته وغيرها من كمالات الأنبياء ﴿فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ ولنبوّته جاحدون ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾ واختلال عقل ، ولذا لا يعتنى بقوله ؟ ليس الأمر كما يقولون ﴿بَلْ﴾ هو أعقل النّاس و﴿جاءَهُمْ بِالْحَقِ﴾ والدّين الثّابت الّذي لا ينبغي الانحراف عنه ﴿وَ﴾ لكنّ ﴿أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ لمخالفته أهواءهم الزائغة وشهواتهم الباطلة ، فلذا تمسّكوا بالتّقليد ، وزاغوا عن نهج الحقّ والدّين القويم ، وأمّا الأقلّون منهم فإنّهم أعرضوا عن الحقّ لاستنكافهم من توبيخ قومهم ، أو لعدم تفكّرهم فيه ، أو لقصور العقل ، لا للكراهة له.
﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ
بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ
خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧١) و (٧٤)﴾
ثمّ لمّا كان هوى المشركين في كون الشّرك ودينهم الباطل حقّا ، ردّهم الله بقوله : ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُ﴾ والدّين ﴿أَهْواءَهُمْ﴾ ومشتهيات أنفسهم ، ونزل القرآن موافقا لميل قلوبهم في الشّرك وتعدّد الآلهة ﴿لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ﴾ من الملائكة والثّقلين ، لما سبق في سورة الأنبياء من دليل التّمانع ، أو المراد لو اتّبع أحكام الإسلام أهواءهم مع تخالفها ، لوقع التّناقض فيها ، ولاختلّ نظام العالم.
عن القمّي : الحقّ : رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين عليهالسلام ... وفساد السماء : إذا لم تمطر ، وفساد الأرض
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ١٤٣ ، تفسير روح البيان ٦ : ٩٤.