الرسول حال كونهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ عن الهدى ، ويتردّدون في شعب الضّلال ، لا يدرون الى أين يتوجّهون ﴿وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ﴾ وشدّة الجوع ﴿فَمَا اسْتَكانُوا﴾ وما تذلّلوا ﴿لِرَبِّهِمْ﴾ اللّطيف بهم ﴿وَما يَتَضَرَّعُونَ﴾ له أبدا.
روي أنه لمّا أسلم ثمامة بن اثال الحنفي ، ولحق باليمامة ، ومنع الميرة عن أهل مكّة ، وأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز (١) - قيل : هو شيء يتخّذونه من الدم والوبر (٢) - وقيل : حتى أكلوا الجيف (٣) ، جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله في المدينة ، فقال : أنشدك بالرّحم ، أ لست تزعم أنّك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال : « بلى » . فقال : قتلت الآباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فادع أن يكشف عنّا هذا القحط ، فدعا فكشف عنهم ، فأنزل الله هاتين الآيتين (٤) .
وقيل : إنّ المراد بالعذاب القتل والأسر يوم بدر (٥) .
وعن الباقر عليهالسلام : « الاستكانة : هي الخضوع ، والتضرّع : رفع اليدين والتضرّع بهما » (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام : « الاستكانة : الدعاء ، والتضرّع : رفع اليدين في الصلاة » (٧) .
وحاصل المراد : أنّهم أقاموا على الكفر والاستكبار ﴿حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ في الآخرة ﴿إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ وآيسون من النجاة ومن كلّ خير.
قيل : هو باب من أبواب جهنّم ، عليه من الخزنة أربعمائة ألف ، سود وجوههم ، كالحة (٨) أنيابهم ، قد قلعت الرحمة من قلوبهم ، إذا بلغوه فتحه الله عليهم (٩) .
وعن الصادق عليهالسلام : « ذلك حين دعا النبي صلىاللهعليهوآله فقال : اللهمّ اجعل عليهم سنين كسنيّ يوسف ، فجاعوا » (١٠) .
وعن الباقر عليهالسلام : « هو في الرجعة » (١١) .
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ * وَهُوَ
الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ
اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ (٧٨) و (٨٠)﴾
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ١٤٦ ، تفسير روح البيان ٦ : ٩٧.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٩٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ١١٣.
(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ١١٣ ، تفسير روح البيان ٦ : ٩٧.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٩٨.
(٦) الكافي ٢ : ٣٤٩ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٦.
(٧) مجمع البيان ٧ : ١٨١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٦.
(٨) كلح : تكشّر في عبوس ، وقيل : الكلوح في الأصل بدوّ الأسنان عند العبوس.
(٩) تفسير روح البيان ٦ : ٩٨.
(١٠ و١١) مجمع البيان ٧ : ١٨١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٦.