والحطب ﴿حَتَّى إِذا جَعَلَهُ﴾ محمى كأنّه صار ﴿ناراً قالَ﴾ للذين أذابوا النّحاس : ﴿آتُونِي﴾ النحاس المذاب ﴿أُفْرِغْ﴾ على السدّ وأصبّ ﴿عَلَيْهِ قِطْراً﴾ ونحاسا مذابا.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « فاحتفروا له جبل حديد ، فقطعوا له أمثال اللّبن ، فطرح بعضه على بعض في ما بين الصّدفين ، ثمّ جعل عليه الحطب ، وألهب فيه النار ، ووضع عليه المنافخ فنفخوا عليه ، فلمّا ذاب قال : ائتوني بقطر ، فاحتفروا جبلا من نحاس ، فطرحوه على الحديد ، فذاب معه واختلط به»(١) .
فلمّا تمّ السدّ جاء يأجوج ومأجوج ﴿فَمَا اسْطاعُوا﴾ وما قدروا ﴿أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾ ويعلوه لارتفاعه وملاسته ﴿وَمَا اسْتَطاعُوا﴾ أن يجعلوا ﴿لَهُ نَقْباً﴾ وخرقا من أسفله لثخانته وصلابته ﴿قالَ﴾ ذو القرنين : ﴿هذا﴾ السدّ والاقتدار على تسويته ﴿رَحْمَةٌ﴾ ونعمة عظيمة ﴿مِنْ رَبِّي﴾ على عباده ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي﴾ بقيام الساعة وقرب يوم القيامة وظهرت مباديه من خروج الدجّال ، ونزول عيسى ، هدم الله السدّ و﴿جَعَلَهُ دَكَّاءَ﴾ وأرضا مستوية ﴿وَكانَ وَعْدُ رَبِّي﴾ بقيام الساعة ، أو بغيره ﴿حَقًّا﴾ وصدقا البتّة ، لا خلف فيه.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه عدّ من الآيات التي تكون قبل الساعة خروج يأجوج ومأجوج (٢) .
وعن القمي : إذا كان قبل يوم القيامة انهدم السدّ ، وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس(٣) .
أقول : في كيفيّة خلق يأجوج ومأجوج وطول أعمارهم وكثرة عددهم وتخريبهم السدّ وأعمالهم بعد الخروج ، روايات كثيرة من طرق الخاصة والعامة ، أعرضنا عن نقلها لطولها وبعدها عن الأذهان.
﴿وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً *
وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (٩٩) و (١٠٠)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حال يأجوج ومأجوج بعد إندكاك السدّ وخروجهم منه بقوله : ﴿وَتَرَكْنا﴾ وخلّينا ، أو جعلنا ﴿بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ﴾ ويختلط أو يضطرب ﴿فِي بَعْضٍ﴾ كأمواج البحر ، لا يمرّون على إنسان إلّا قتلوه ، ولا على شيء إلّا أكلوه ، ولا على ماء إلّا شربوه ، ثمّ يرسل الله عليهم دودا بعد نزول عيسى فيقتلهم دفعة كنفس واحدة ، على ما في الروايات (٤) .
وقيل : إنّ المراد باليوم في الآية يوم السدّ ومنعهم من الخروج (٥) .
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ١١٣ / ٢٧٠٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٤.
(٢) الخصال : ٤٤٧ / ٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٤.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٤١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٤.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩٩ و٣٠٠.
(٥) تفسير الرازي ٢١ : ١٧٢.